الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 378 ] الحديث الثاني:

                                1146 1204 - حدثنا يحيى، ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: " التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء".

                                التالي السابق


                                وخرجه فيما تقدم من طريق مالك ، عن أبي حازم ، عن سهل ، وذكر فيه قصة إصلاح النبي - صلى الله عليه وسلم- بين بني عمرو بن عوف ، وصلاة أبي بكر بالناس، وقال في آخر الحديث: " من نابه شيء في صلاته فليسبح; فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيح للنساء".

                                وخرجه مسلم .

                                وفي الباب أحاديث أخر، لم يخرج منها شيء في " الصحيح".

                                وقد ذكر الترمذي : أن العمل على هذا عند أهل العلم.

                                وممن روي عنه، أنه أفتى بذلك: أبو هريرة ، وسالم بن أبي الجعد .

                                وقال به الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف .

                                وأن المأموم ينبه إمامه بالتسبيح إذا كان رجلا.

                                وقد تقدم عن أبي حنيفة ، أنه إن سبح ابتداء فليس بكلام، وإن كان جوابا فهو كلام، والجمهور على خلافه.

                                ومذهب مالك وأصحابه: أنه يسبح الرجال والنساء.

                                وحملوا قوله: " إنما التصفيق للنساء " على أن المراد: أنه من أفعال النساء، فلا يفعل في الصلاة بحال، وإنما يسبح فيها.

                                [ ص: 379 ] وهذا إنما يتأتى في لفظ رواية مالك ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، وأما رواية غيره: " التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء في الصلاة" فلا يتأتى هذا التأويل فيها.

                                وأما رواية من روى: " إذا نساني الشيطان شيئا من صلاتي فليسبح القوم، وليصفق النساء" فصريحة في المعنى.

                                فالمراد بالقوم: الرجال، كما قال تعالى: لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء الآية.

                                وخرجه الإمام أحمد من حديث جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " إذا أنساني الشيطان شيئا في صلاتي فليسبح الرجال، وليصفق النساء".

                                وهو قول من رواية ابن لهيعة .

                                وخرج الأثرم ، من رواية أبي نعامة ، عن جبر بن حبيب ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، قالت: جاء أبو بكر يستأذن، وعائشة تصلي، فجعلت تصفق، ولا يفقه عنها، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم- وهما على تلك الحال، فقال: " ما منعك أن تأخذي بجوامع الكلم وفواتحه؟ " وذكر دعاء جامعا، " ثم نادي لأبيك ".

                                وهذا إسناد جيد.

                                وقد خرج الإمام أحمد وابن ماجه ذكر الدعاء، دون قصة الاستئذان.

                                ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم- عليها التصفيق، ولا أمرها بالتسبيح، وإنما تصفق المرأة إذا كان هناك رجال.

                                [ ص: 380 ] فأما إن لم يكن معها غير النساء، فقد سبق أن عائشة سبحت لأختها أسماء في صلاة الكسوف، فإن المحذور سماع الرجال صوت المرأة، وهو مأمون هاهنا، فلا يكره للمرأة أن تسبح للمرأة في صلاتها، ويكره أن تسبح مع الرجال.

                                ومن أصحابنا من قال: لا يكره.

                                والأول: الصحيح.

                                وقال بعض أصحابنا: الأفضل في حقها أيضا مع النساء التنبيه بالتصفيق أيضا.

                                والكلام في هذا يشبه الكلام في جهر المرأة بالقراءة إذا أمت النسوة.

                                وتصفيق المرأة هو: أن تضرب بظهر كفها على بطن الأخرى، هكذا فسره أصحابنا والشافعية وغيرهم.

                                قالوا: ولا تضرب بطن كف على بطن كف; فإن فعلت ذلك كره.

                                وقال بعض الشافعية، منهم: القاضي أبو الطيب الطبري : تبطل صلاتها به، إذا كان على وجه اللعب; لمنافاته صلاتها، فإن جهلت تحريمه لم تبطل.

                                قالوا: ولو سبحت المرأة، أو صفق الرجل، فقد خالفا السنة، ولم تبطل صلاتهما بذلك.

                                ويدل عليه: أن الصحابة أكثروا التصفيق خلف أبي بكر الصديق ، ولم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم- بالإعادة، وإنما أمرهم بالأكمل والأفضل.

                                وقد قال طائفة من الفقهاء: متى أكثروا التصفيق بطلت الصلاة.

                                والحديث يدل على خلافه، إلا أن يحمل على أنهم لم يكونوا يعلمون منعه، فيكون حكمهم حكم الجاهل.



                                الخدمات العلمية