الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 349 ] 25 - باب

                                كينونة الجنب في البيت إذا توضأ

                                خرج فيه حديثين :

                                أحدهما :

                                قال :

                                282 286 - نا أبو نعيم : نا هشام وشيبان ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، قال : سألت عائشة : أكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقد وهو جنب ؟ قالت : نعم ، ويتوضأ .

                                والثاني :

                                قال :

                                283 287 - ثنا قتيبة : نا الليث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن عمر بن الخطاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أيرقد أحدنا وهو جنب ؟ قال : ( نعم إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب ) .

                                التالي السابق


                                ومراد البخاري بهذين الحديثين في هذا الباب الاستدلال على جواز تأخير الغسل من الجنابة لغير الضرورة ، وإن كان الجنب في بيته ، وإن نام في بيته وهو جنب . ولكنه إذا أراد النوم فإنه يستحب له أن يتوضأ ، وقد أفرد لذلك بابا بعد هذا .

                                [ ص: 350 ] ويتعلق بهذا حكم أكل الجنب ، وقد وردت فيه أحاديث لم يخرجها البخاري ; فخرج مسلم من حديث شعبة ، عن الحكم ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبا ، فأراد أن يأكل أو ينام - توضأ .

                                وخرجه وكيع في ( كتابه ) ، وعنه الإمام أحمد وزاد : ( أو يشرب ) .

                                وقد تكلم في لفظة ( الأكل ) :

                                قال الإمام أحمد : قال يحيى بن سعيد : رجع شعبة عن قوله : ( يأكل ) . قال أحمد : وذلك لأنه ليس أحد يقوله غيره ، إنما هو في النوم . انتهى .

                                وقد رواه أيضا ميمون أبو حمزة ، عن إبراهيم - بهذا الإسناد ، وزاد : ( وضوءه للصلاة ) .

                                خرجه الطبراني .

                                [ ص: 351 ] أبو حمزة هذا ضعيف جدا .

                                وروى ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة ، وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه .

                                خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي .

                                وفي رواية له : إذا أراد أن يأكل أو يشرب .

                                وخرج ابن ماجه آخره .

                                ورواه الأوزاعي ، عن يونس ، عن الزهري كذلك .

                                ورواه عيسى بن يونس ، عن يونس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة .

                                خرجه ابن خزيمة في ( صحيحه ) .

                                ورواه صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة أو غيره - بالشك - عن عائشة .

                                خرجه الإمام أحمد .

                                ورواه ابن وهب عن يونس ، فجعل ذكر الأكل من قول عائشة ، ولم يرفعه .

                                [ ص: 352 ] وأعله أبو داود وغيره بذلك .

                                وضعف أحمد حديث صالح بن أبي الأخضر .

                                وخرج الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي من حديث عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر ، عن عمار بن ياسر - أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة .

                                وحسنه الترمذي .

                                وإسناده منقطع ; فإن يحيى بن يعمر لم يسمع من عمار بن ياسر ، قاله ابن معين وأبو داود والدارقطني ، وغيرهم .

                                وروى شرحبيل بن سعد ، عن جابر ، قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الجنب : هل ينام أو يأكل أو يشرب ؟ قال : ( نعم ، إذا توضأ وضوءه للصلاة ) .

                                خرجه ابن ماجه وابن خزيمة في ( صحيحه ) .

                                وشرحبيل ضعفه يحيى وغيره .

                                وروي عن شريك ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في الجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب فليتوضأ وضوءه للصلاة .

                                خرجه ابن عدي وغيره .

                                وفي الباب أحاديث أخر ضعيفة .

                                [ ص: 353 ] وقد اختلف العلماء في الجنب إذا أراد الأكل ; فقالت طائفة منهم : يتوضأ . منهم علي ، وابن عمر ، وابن سيرين ، وأبو جعفر محمد بن علي ، والنخعي ورخص في الشرب بغير وضوء دون الأكل .

                                واستحباب الوضوء للأكل قول الشافعي ، وأحمد في رواية ، وقال مع هذا : لا يكره تركه .

                                وقال القاضي أبو يعلى من أصحابنا : يكره تركه .

                                وقالت طائفة : المستحب للجنب إذا أراد الأكل أن يغسل كفيه ، ومنهم من قال : ويمضمض . روي هذا عن ابن المسيب ومجاهد والزهري والأوزاعي وأبي حنيفة ، وهو رواية عن أحمد ، وزعم الخلال أن أحمد رجع إليها أخيرا .

                                وأنكرت طائفة الوضوء وغسل اليد للأكل ، روي عن مالك ، وقال : لا يغسل يده إلا أن يكون فيها قذر .

                                ومما يتعلق بذلك جلوس الجنب في المسجد إذا توضأ ، وهو قول أحمد وإسحاق .

                                قال عطاء بن يسار : رأيت رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون ، إذا توضئوا وضوء الصلاة .

                                خرجه سعيد بن منصور والأثرم .

                                وعن زيد بن أسلم ، قال : كان الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجنب ، ثم يتوضأ ، ثم يدخل المسجد ، فيجلس فيه .

                                [ ص: 354 ] وقال أكثر الفقهاء : لا يجوز للجنب الجلوس في المسجد بوضوء ولا غيره حتى يغتسل ، إلا أن يضطر إلى ذلك . وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي ، وحكي رواية عن أحمد ، ورجحها بعض أصحابنا .

                                ومتى اضطر إلى ذلك للخوف على نفسه أو ماله فله اللبث فيه .

                                وهل يلزمه التيمم لذلك ؟ فيه قولان :

                                أحدهما : لا يلزمه ذلك ، وهو منصوص أحمد ، وقول أكثر أصحابه ; لأنه ملجأ إلى ذلك .

                                والثاني : يلزمه التيمم ، وهو قول الشافعية ، واختاره صاحب ( المغني ) من أصحابنا .

                                ورخصت طائفة للجنب في الجلوس في المسجد والمقام فيه بكل حال بدون وضوء ، وهو قول داود [ والمزني ] وابن المنذر .



                                الخدمات العلمية