الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                ثم خرج البخاري

                                23 23 - حديث أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص ، فمنها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما يبلغ دون ذلك . وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره " . قالوا : فما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : " الدين " .

                                التالي السابق


                                وهذا الحديث نص في أن الدين يتفاضل ، وقد استدل عليه بقوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأشار البخاري إلى ذلك في موضع آخر .

                                ويدل عليه أيضا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للنساء : " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ! "

                                وفسر نقصان دينها بتركها الصوم والصلاة أيام حيضها ; فدل على دخول الصوم والصلاة في اسم الدين .

                                [ ص: 91 ] وقد صرح بدخول الأعمال في الدين طوائف من العلماء والمتكلمين من أصحابنا وغيرهم .

                                فمن قال : الإسلام والإيمان واحد - فالدين عنده مرادف لهما أيضا ، وهو اختيار البخاري ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما من أهل الحديث .

                                ومن فرق بينهما ، فاختلفوا في ذلك ; فمنهم من قال : إن الدين أعم منهما ; فإنه يشمل الإيمان والإسلام والإحسان ، كما دل عليه حديث جبريل . وقد أشار البخاري إلى هذا فيما بعد ، لكنه ممن لا يفرق بين الإسلام والإيمان .

                                ومن قال : الإيمان التصديق ، والإسلام الأعمال - فأكثرهم جعل الدين هو الإسلام ، وأدخل فيه الأعمال .

                                وإنما أخرج الأعمال من مسمى الدين بعض المرجئة .

                                ومن قال : الإسلام الشهادتان ، والإيمان العمل كالزهري وأحمد في رواية وهي التي نصرها القاضي أبو يعلى - جعل الدين هو الإيمان بعينه . وأجاب عن قوله تعالى : إن الدين عند الله الإسلام - أن بعض الدين الإسلام .

                                وهذا بعيد .

                                وأما من قال : إن كلا من الإسلام والإيمان إذا أطلق مجردا دخل الآخر فيه ، وإنما يفرق بينهما عند الجمع بينهما ، وهو الأظهر - فالدين هو مسمى [ ص: 92 ] كل واحد منهما عند إطلاقه ، وأما عند اقترانه بالآخر فالدين أخص باسم الإسلام ; لأن الإسلام هو الاستسلام والخضوع والانقياد وكذلك الدين ، يقال : دانه يدينه إذا قهره ، ودان له إذا استسلم له وخضع وانقاد ; ولهذا سمى الله الإسلام دينا ، فقال : إن الدين عند الله الإسلام وقال : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وقال : ورضيت لكم الإسلام دينا

                                وإنما فسر القمص في المنام بالدين ; لأن الدين والإسلام والتقوى كل هذه توصف بأنها لباس ، قال تعالى :ولباس التقوى ذلك خير وقال أبو الدرداء : الإيمان كالقميص يلبسه الإنسان تارة ، وينزعه أخرى .

                                وفي الحديث " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ينزع منه سربال الإيمان " .

                                وقال النابغة :


                                الحمد لله الذي لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من الإسلام سربالا



                                وقال أبو العتاهية :


                                إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى تقلب عريانا وإن كان كاسيا



                                فهذه كلها كسوة الباطن وهو الروح ، وهو زينة لها كما في حديث عمار " اللهم ، زينا بزينة الإيمان ! " كما أن الرياش زينة للجسد وكسوة له ، قال تعالى : يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير

                                [ ص: 93 ] ومن هنا قال مجاهد والشعبي وقتادة والضحاك والنخعي والزهري وغيرهم في قوله تعالى : وثيابك فطهر إن المعنى : طهر نفسك من الذنوب .

                                وقال سعيد بن جبير : وقلبك ونيتك فطهر .

                                وقريب منه قول من قال : وعملك فأصلح . روي عن مجاهد وأبي روق والضحاك .

                                وعن الحسن والقرظي قالا : خلقك حسنه .

                                فكنى بالثياب عن الأعمال ، وهي الدين والتقوى والإيمان والإسلام ، وتطهيره إصلاحه وتخليصه من المفسدات له ، وبذلك تحصل طهارة النفس والقلب والنية . وبه يحصل حسن الخلق ; لأن الدين هو الطاعات التي تصير عادة وديدنا وخلقا ، قال تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم

                                وفسره ابن عباس بالدين .



                                الخدمات العلمية