الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
العاشر‏ : على الطالب مقابلة كتابه بأصل سماعه ، وكتاب شيخه الذي يرويه عنه ، وإن كان إجازة‏ . ‏

روينا عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما أنه قال لابنه هشام : " كتبت ؟ " قال‏ : " نعم " ، قال‏ : " عرضت كتابك ؟ " قال‏ : " لا " ، قال‏ : " لم تكتب‏ " . ‏

[ ص: 191 ] وروينا عن الشافعي الإمام ، وعن يحيى بن أبي كثير قالا‏ : " من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء ولم يستنج " . ‏

وعن الأخفش قال‏ : " إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ، ثم نسخ ولم يعارض خرج أعجميا‏ " . ‏

ثم إن أفضل المعارضة‏ : أن يعارض الطالب بنفسه كتابه بكتاب الشيخ مع الشيخ ، في حال تحديثه إياه من كتابه ، لما يجمع ذلك من وجوه الاحتياط ، والإتقان من الجانبين‏ ، وما لم تجتمع فيه هذه الأوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها‏ . ‏ وما ذكرناه أولى من إطلاق أبي الفضل الجارودي الحافظ الهروي قوله : " أصدق المعارضة مع نفسك‏ " . ‏

ويستحب أن ينظر معه في نسخته من حضر من السامعين ، ممن ليس معه نسخة ، لا سيما إذا أراد النقل منها ، وقد روي عن يحيى بن معين أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب ، والمحدث يقرأ ، هل يجوز أن يحدث بذلك عنه ؟ فقال‏ : " أما عندي فلا يجوز ، ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم‏ " . ‏

[ ص: 192 ] قلت‏ : وهذا من مذاهب أهل التشديد في الرواية ، وسيأتي ذكر مذهبهم إن شاء الله تعالى . ‏ والصحيح‏ أن ذلك لا يشترط ، وأنه يصح السماع ، وإن لم ينظر أصلا في الكتاب حالة القراءة ، وأنه لا يشترط أن يقابله بنفسه ، بل يكفيه مقابلة نسخته بأصل الراوي ، وإن لم يكن ذلك حالة القراءة ، وإن كانت المقابلة على يدي غيره إذا كان ثقة موثوقا بضبطه‏ . ‏

قلت‏ : وجائز أن تكون مقابلته بفرع قد قوبل المقابلة المشروطة بأصل شيخه أصل السماع ، وكذلك إذا قابل بأصل أصل الشيخ المقابل به أصل الشيخ ; لأن الغرض المطلوب أن يكون كتاب الطالب مطابقا لأصل سماعه ، وكتاب شيخه ، فسواء حصل ذلك بواسطة أو بغير واسطة‏ . ‏

ولا يجزئ ذلك عند من قال‏ : " لا تصح مقابلته مع أحد غير نفسه ، ولا يقلد غيره ، ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة ، وليقابل نسخته بالأصل بنفسه حرفا حرفا حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها له‏ " . ‏ وهذا مذهب متروك ، وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في أعصارنا ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

أما إذا لم يعارض كتابه بالأصل أصلا‏ : فقد سئل الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني عن جواز روايته منه ، فأجاز ذلك‏ . ‏ وأجازه [ ص: 193 ] الحافظ أبو بكر الخطيب أيضا ، وبين شرطه‏ ، فذكر أنه يشترط أن تكون نسخته نقلت من الأصل ، وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض‏ ، وحكى عن شيخه أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي‏ : " هل للرجل أن يحدث بما كتب عن الشيخ ، ولم يعارض بأصله ؟ " فقال‏ : " نعم ، ولكن لا بد أن يبين أنه لم يعارض " ، قال‏ : وهذا هو مذهب أبي بكر البرقاني ، فإنه روى لنا أحاديث كثيرة قال فيها : " ‏أخبرنا فلان ، ولم أعارض بالأصل‏ " ‏‏ . ‏

قلت‏ : ولا بد من شرط ثالث ، وهو‏ : أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النقل ، بل صحيح النقل قليل السقط ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

ثم إنه ينبغي أن يراعي في كتاب شيخه بالنسبة إلي من فوقه مثل ما ذكرنا ، أنه يراعيه من كتابه ، ولا يكونن كطائفة من الطلبة‏ إذا رأوا سماع شيخ لكتاب قرءوه عليه من أي نسخة اتفقت ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية