الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو قال : له علي مائة ودرهم فعليه مائة درهم ودرهم عندنا ، وقال الشافعي رحمه الله درهم واحد والقول في بيان المائة قوله . وكذلك لو قال : مائة ودينار أو مائة وقفيز حنطة فذكر شيئا من الكيل أو الوزن فهو كله على هذا الخلاف ، وإن قال : مائة وعبد يلزمه العبد والقول في بيان المائة قوله .

وكذلك إن قال : مائة وثوب في ظاهر الرواية وروى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله في قوله مائة وثوب أن الكل من الثياب . وكذلك في قوله مائة وشاة أما الشافعي رحمه الله ، فقال : إنه أبهم الإقرار بالمائة وقوله " ودرهم " ليس بتفسير له ; لأنه عطف عليه بحرف الواو والعطف لم يوضع للتفسير لغة فيلزمه ما أقر به مفسرا في الفصول كلها ويكون القول فيما أبهم قوله . وكذلك له علي مائة ودرهمان بخلاف ما لو قال : مائة وثلاثة دراهم لأنه عطف أحد العددين المبهمين على الآخر ، ثم فسره بالدراهم فينصرف التفسير إليهما جميعا لحاجة كل واحد منهما إلى التفسير وحجتنا في ذلك قوله ودرهم بيان للمائة عادة ودلالة أما من حيث العادة فلأن الناس يحترزون [ ص: 100 ] عن تطويل العبارات فيأتون به للتنصيص على الدراهم عند ذكر كل عدد ويكتفون بذكره مرة ، وهذا شيء لا يمكن إنكاره .

( ألا ترى ) أنهم يقولون أحد وعشرون درهما فيكتفون بذكر الدرهم مرة ويجعلون ذلك تفسيرا للكل . وأما من حيث الدلالة فلأن المعطوف مع المعطوف عليه بمنزلة المضاف مع المضاف إليه إذ كل واحد منهما للتعريف ، ثم المضاف يجعل تعريفا للمضاف إليه إذا كان صالحا له فكذلك المعطوف يجعل تعريفا للمعطوف عليه إذا كان صالحا له والصلاحية موجودة في المكيلات والموزونات ; لأنها تثبت في الذمة مع جميع المعاملات حالا ومؤجلا ويجوز الاستقراض فيها ولعموم البلوى جعلنا العطف فيها تفسيرا بخلاف قوله وثوب وشاة لأن الثوب لا يثبت في الذمة دينا إلا مبيعا مسلما فيه والشاة لا تثبت دينا في الذمة أصلا يعني به ثبوتا لازما فلم يصلح قوله وثوب أن يكون تفسيرا للمائة ; لأن قوله علي مائة عبارة عما يثبت في الذمة مطلقا ثبوتا صحيحا فلهذا كان البيان إليه وجه رواية أبي يوسف رحمه الله أن الثياب والغنم تقسم قسمة واحدة بخلاف العبيد فإنها لا تقسم قسمة واحدة يتحقق في أعدادها المجانسة فيمكن أن يجعل المفسر منه تفسيرا للمبهم وما لا يقسم قسمة واحدة لا يتحقق في أعداده المجانسة فلا يمكن أن يجعل المفسر تفسيرا للمبهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية