الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                              الفصل الثالث في ذكر الدعوات المذكورة في هذا الحديث:

                                                                                                                                                                                              وهي:

                                                                                                                                                                                              " اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون وأسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يبلغني حبك"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " تعلموهن وادرسوهن فإنهن حق " . هذا دعاء عظيم من أجمع الأدعية وأكملها، فقوله - صلى الله عليه وسلم - . "أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات " يتضمن طلب كل خير وترك كل شر، فإن الخيرات تجمع كل ما يحبه الله تعالى ويقرب منه من الأعمال والأقوال من الواجبات والمستحبات، والمنكرات تشمل كل ما يكرهه الله تعالى ويباعد عنه من الأقوال والأعمال، فمن حصل له هذا المطلوب حصل له خير الدنيا والآخرة، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب مثل هذه الأدعية الجامعة، قالت عائشة: "كان النبي [ ص: 189 ] - صلى الله عليه وسلم - يعجبه الجوامع من الدعاء ويدع ما بين ذلك " . خرجه أبو داود .

                                                                                                                                                                                              وقوله: "وحب المساكين " هذا قد يقال إنه من جملة فعل الخيرات وإنما أفرده بالذكر لشرفه وقوة الاهتمام به، كما أفرد أيضا ذكر حب الله تعالى وحب من يحبه وحب عمل يبلغه إلى حبه، وذلك أصل فعل الخيرات كلها، وقد يقال: إنه طلب من الله عز وجل أن يرزقه أعمال الطاعات بالجوارح، وترك المنكرات بالجوارح، وأن يرزقه ما يوجب له ذلك وهو حبه وحب من يحبه . حب عمل يبلغه حبه، فهذه المحبة بالقلب موجبة لفعل الخيرات بالجوارح ولترك المنكرات بالجوارح، وسأل الله تعالى أن يرزقه المحبة فيه، فقد تضمن هذا الدعاء سؤال حب الله عز وجل وحب أحبابه، وحب الأعمال التي تقرب من حبه والحب فيه، وذلك يقتضي فعل الخيرات كلها ويتضمن ترك المنكرات، والسلامة من الفتن، وذلك يتضمن اجتناب الشر كله فجمع هذا الدعاء طلب خير الدنيا وتضمن سؤال المغفرة والرحمة وذلك يجمع خير الآخرة كله فجمع هذا الدعاء خيري الدنيا والآخرة .

                                                                                                                                                                                              والمقصود أن حب المساكين أصل الحب في الله تعالى; لأن المساكين ليس عندهم من الدنيا ما يوجب محبتهم لأجله فلا يحبون إلا لله عز وجل والحب في الله من أوثق عرى الإيمان، ومن علامات ذوق حلاوة الإيمان، وهو صريح الإيمان، وهو أفضل الإيمان، وهذا كله مروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه وصف به الحب في الله تعالى . وروي عن ابن عباس أنه قال: "به تنال ولاية الله وبه يوجد طعم الإيمان " .

                                                                                                                                                                                              وحب المساكين قد أوصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - غير واحد من أصحابه، قال [ ص: 190 ] أبو ذر: "أوصاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أحب المساكين وأن أدنو منهم " خرجه الإمام أحمد .

                                                                                                                                                                                              وخرج الترمذي عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "يا عائشة أحبي المساكين وقربيهم فإن الله يقربك يوم القيامة " .

                                                                                                                                                                                              ويروى أن داود عليه السلام كان يجالس المساكين ويقول: يارب مسكين بين مساكين . ولم يزل السلف الصالح يوصون بحب المساكين - كتب سفيان الثوري إلى بعض إخوانه - عليك بالفقراء والمساكين والدنو منهم فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسأل ربه حب المساكين، وحب المساكين مستلزم لإخلاص العمل لله تعالى، والإخلاص هو أساس الأعمال الذي لا تثبت الأعمال إلا عليه، فإن حب المساكين يقتضي إسداء النفع إليهم بما يمكن من منافع الدين والدنيا، فإذا حصل إسداء النفع إليهم حبا لهم، والإحسان إليهم كان هذا العمل خالصا وقد دل القرآن على ذلك، قال الله تعالى: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا وقال عز وجل ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين وقال تعالى: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا قال سعد بن أبي وقاص: نزلت هذه الآية في ستة: في، وفي ابن مسعود، وصهيب، وعمار، والمقداد، وبلال . قالت قريش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا [ ص: 191 ] لا نرضى أن نكون أتباعا لهم فاطردهم عنك، فأنزل الله عز وجل . ، ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه وقال خباب بن الأرت في هذه الآية "جاء الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، فوجدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع صهيب وعمار وبلال وخباب قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول النبي - صلى الله عليه وسلم - حقروهم، فأتوه فخلوا به وقالوا: إنا نريد أن نجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا مع هؤلاء الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت، قال "نعم " . قالوا: فاكتب لنا عليك كتابا، قال فدعا بصحيفة، ودعا عليا ليكتب ونحن قعود في ناحية فنزل جبريل - عليه السلام - فقال: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ثم ذكر الأقرع بن حابس، وعيينة ابن حصن فقال: وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ثم قال: وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة قال: فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبتيه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله عز وجل واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم ولا تجالس الأشراف ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا يعني عيينة، والأقرع . قال خباب: فكنا [ ص: 192 ] نقعد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا بلغنا الساعة التي يقوم قمنا وتركناه حتى يقوم " خرجه ابن ماجه، وغيره .

                                                                                                                                                                                              وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعود المرضى من مساكين أهل المدينة ويشيع جنائزهم وكان لا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين حتى يقضي حاجتهما وعلى هذا الهدي كان أصحابه من بعده والتابعون لهم بإحسان .

                                                                                                                                                                                              وروي عن أبي هريرة قال: "كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكنيه أبا المساكين " . وفي رواية "أنه كان يعمهم وربما أخرج لهم عكة فيها العسل فشقوها ولعقوها" .

                                                                                                                                                                                              وكانت زينب بنت خزيمة أم المؤمنين - رضي الله عنها - تسمى أم المساكين لكثرة إحسانها إليهم وتوفيت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                              وقال ضرار بن مرة في وصف علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في أيام خلافته: كان يعظم أهل الدين ويحب المساكين، ومر ابنه الحسن - رضي الله عنه - على مساكين يأكلون فدعوه فأجابهم وأكل معهم، وتلا إنه لا يحب المستكبرين ثم دعاهم إلى منزله فأطعمهم وأكرمهم . وكان ابن عمر لا يأكل غالبا إلا مع المساكين وكان يقول لعل بعض هؤلاء أن يكون ملكا يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                              وجاء مسكين أعمى إلى ابن مسعود وقد ازدحم الناس عنده فناداه يا أبا عبد الرحمن آويت أرباب الخز واليمنية وأقصيتني لأجل أني مسكين؟ فقال له: ادنه فلم يزل يدنيه حتى أجلسه إلى جانبه أو بقربه .

                                                                                                                                                                                              وكان مطرف بن عبد الله يلبس الثياب الحسنة ثم يأتي المساكين ويجالسهم . [ ص: 193 ] وكان سفيان الثوري يعظم المساكين ويجفو أهل الدنيا فكان الفقراء في مجلسه هم الأغنياء والأغنياء هم الفقراء . وقال سليمان التيمي: كنا إذا طلبنا علية أصحابنا وجدناهم عند الفقراء والمساكين . وقال الفضيل: من أراد عز الآخرة فليكن مجلسه مع المساكين . ومن فضائل المساكين أنهم أكثر أهل الجنة . كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين " وقال - صلى الله عليه وسلم -: "تحاجت الجنة والنار، فقالت الجنة: لا يدخلني إلا الضعفاء والمساكين " .

                                                                                                                                                                                              وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أهل الجنة فقال: "كل ضعيف مستضعف " وهم أول الناس دخولا الجنة كما صح عنه - صلى الله عليه وسلم -: "إن الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنة بأربعين عاما" - وفي رواية - "أنهم يدخلون الجنة بنصف يوم وهو خمسمائة سنة" وهم أول الناس إجازة على الصراط كما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل من أول الناس إجازة على الصراط؟ فقال: "فقراء المهاجرين " وهم أول الناس ورودا على الحوض كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الدنسة رءوسهم، الشعثة ثيابهم الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم السدد" وهم [ ص: 194 ] أتباع الرسل كما أخبر الله تعالى عن نوح عليه السلام أن قومه عيروه باتباع الضعفاء له فقالوا: أنؤمن لك واتبعك الأرذلون وكذلك قال هرقل لأبي سفيان لما سأله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهل يتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ فقال: بل ضعفاؤهم، قال هرقل: هم أتباع الرسل .

                                                                                                                                                                                              وهم أفضل من الأغنياء عند كثير من العلماء أو أكثرهم، وقد دل على ذلك أدلة كثيرة منها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين مر به الغني والمسكين في المسجد: "هذا - يعني المسكين - خير من ملء الأرض مثل هذا - يعني الغني " وقد خرجه البخاري وغيره .

                                                                                                                                                                                              ومنهم من لو أقسم على الله لأبره كما في "الصحيح " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في أهل الجنة: "كل ضعيف مستضعف لو أقسم على الله لأبره " وفي رواية " أشعث ذو طمرين " وفي رواية خرجها ابن ماجه "أنهم ملوك أهل الجنة" وفي الحديث المشهور "رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره " خرجه الحاكم وغيره .


                                                                                                                                                                                              رب ذي طمرين نضو يأمن العالم شره     لا يرى إلا غنيا
                                                                                                                                                                                              وهو لا يملك ذره     ثم لو أقسم في شيء
                                                                                                                                                                                              على الله أبره



                                                                                                                                                                                              [ ص: 195 ] قال ابن مسعود: كونوا جدد القلوب، خلقان الثياب . سرج الليل مصابيح الظلام، تعرفون في أهل السماء وتخفون على أهل الأرض .


                                                                                                                                                                                              طوبى لعبد بحبل الله معتصمه     على صراط سوي ثابت قدمه
                                                                                                                                                                                              رث اللباس جديد القلب مستتر     في الأرض مشتهر فوق السماء وسمه
                                                                                                                                                                                              ما زال يستحقر الأولى بهمته     حتى يرقى إلى الأخرى به هممه
                                                                                                                                                                                              فذاك أعظم من التاج متكئا     على النمارق محتفا به خدمه



                                                                                                                                                                                              واعلم أن محبة المساكين لها فوائد كثيرة: منها: أنها توجب إخلاص العمل لله عز وجل، لأن الإحسان إليهم لمحبتهم لا يكون إلا لله عز وجل، لأن نفعهم في الدنيا لا يرجى غالبا فأما من أحسن إليهم ليمدح بذلك فما أحسن إليهم حبا لهم بل حبا لأهل الدنيا وطلبا لمدحهم له بحب المساكين . ومنها: أنها تزيل الكبر، فإن المتكبر لا يرضى مجالسة المساكين كما سبق عن رؤساء قريش والأعراب، ومن حذا حذوهم من هذه الأمة ممن تشبه بهم حتى أن بعض علماء السوء كان لا يشهد الصلاة في جماعة خشية أن تزاحمه المساكين في الصف، ويمتنع بسبب هذا الكبر فيفوته خير كثير جدا، فإن مجالس الذكر والعلم تقع فيها كثيرا مجالسة المساكين فإنهم أكثر هذه المجالس فيمتنع المتكبر من هذه المجالس بتكبره، وربما كان المسموع منه الذكر والعلم من جملة المساكين فيأنف أهل الكبر من التردد إلى مجلسه كذلك فيفوتهم خير كثير، وقد أخبر الله تعالى عن المشركين أنهم قالوا: لولا نـزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [ ص: 196 ] يشيرون إلى عظماء مكة والطائف كعتبة بن ربيعة وأخيه شيبة ونحوهما من صناديد قريش وثقيف ذوي الأموال والشرف فيهم ممن كان أكثر مالا من محمد - صلى الله عليه وسلم - وأعظم رياسة عندهم . ورد عليهم سبحانه بأنه يقسم رحمته كما يشاء وأنه كما رفع درجات بعضهم على بعض في الدنيا، فكذلك يرفعها في الآخرة بالنبوة والعلم والإيمان خير مما يجمعونه من الأموال التي تفنى، فهو يخص بهذه الرحمة الدينية من يشاء ويرفعه على أهل النعم الدنيوية وقد خص محمدا - صلى الله عليه وسلم - بما لم يشركه فيه غيره من هذه النعم كما قال تعالى له: وأنـزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما وكان علي بن الحسين يجلس في مجلس زيد بن أسلم فيعاتب على ذلك فيقول: إنما يجلس المرء حيث يكون له فيه نفع، أو كما قال، يشير إلى أنه ينتفع بسماع ما يسمعه من العلم والحكمة، وزيد بن أسلم أبوه مولى لعمر . وعلي بن الحسين سيد بني هاشم وشريفهم .

                                                                                                                                                                                              ولما اجتمع الزهري وأبو حازم الزاهد بالمدينة عند بعض بني أمية - لما حج - وسمع الزهري كلام أبي حازم وحكمته أعجبه ذلك، وقال: هو جاري منذ كذا وكذا وما جالسته ولا عرفت أن هذا عنده، فقال له أبو حازم: أجل إني من المساكين ولو كنت من الأغنياء لعرفتني، فوبخه بذلك، وفي رواية عنه أنه قال له: لو أحببت الله أحببتني ولكنك نسيت الله فنسيتني، يشير إلى أن من أحب الله تعالى أحب المساكين من أهل العلم والحكمة لأجل محبته لله تعالى ومن غفل عن الله تعالى غفل عن أوليائه من المساكين فلم يرفع لهم رأسا، ولم ينتفع بما اختصهم الله عز وجل به من الحكمة والعلوم النافعة [ ص: 197 ] التي لا توجد عند غيرهم من أهل الدنيا .

                                                                                                                                                                                              وقد كان علماء السلف يأخذون العلم عن أهله والغالب عليهم المسكنة وعدم المال والرفعة في الدنيا ويدعون أهل الرياسات والولايات فلا يأخذون عنهم ما عندهم من العلم بالكلية .

                                                                                                                                                                                              ومنها: أنه يوجب صلاح القلب وخشوعه، وفي "المسند" عن أبي هريرة أن رجلا شكى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسوة قلبه فقال له: "إن أحببت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم " .

                                                                                                                                                                                              ومنها: أن مجالسة المساكين توجب رضى من يجالسهم برزق الله عز وجل وتعظم عنده نعمة الله عز وجل عليه بنظره في الدنيا إلى من دونه، ومجالسة الأغنياء توجب التسخط بالرزق ومد العين إلى زينتهم وما هم فيه، وقد نهى الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال تعالى: ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "انظروا إلى من دونكم ولا تنظروا إلى من فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم " قال أبو ذر - رضي الله عنه -: "أوصاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنظر إلى من دوني ولا أنظر إلى من فوقي وأوصاني أن أحب المساكين وأن أدنو منهم " .

                                                                                                                                                                                              وكان عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود يجالس الأغنياء فلا يزال في غم، لأنه لا يزال يرى من هو أحسن منه لباسا ومركبا ومسكنا وطعاما . فتركهم وجالس المساكين فاستراح من ذلك . [ ص: 198 ] وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عائشة عن مخالطة الأغنياء . وقال عمر: إياكم والدخول على أهل السعة فإنه مسخطة للرزق .

                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية