الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
56 - قوله: (ع): "وقد استشكل ابن دقيق العيد الحكم على الحديث بالوضع بإقرار من ادعى أنه وضعه، لأن فيه عملا بقوله بعد اعترافه على نفسه بالوضع" فقال في الاقتراح:

"هذا كاف في رده ليس بقاطع. .." إلى آخره.

قلت: كلام ابن دقيق العيد ظاهر في أنه لا يستشكل الحكم لأن

[ ص: 841 ] الأحكام لا يشترط فيها القطعيات ولم يقل أحد أنه يقطع بكون الحديث موضوعا بمجرد الإقرار، إلا أن إقرار الواضع بأنه وضع يقتضي موجب الحكم العمل بقوله، وإنما نفى ابن دقيق العيد القطع بكون الحديث موضوعا بمجرد إقرار الراوي بأنه وضعه فقط، فلم يعترض لتعليل ذلك ولم يعلل بأنه يلزم العمل بقوله بعد اعترافه، لأنه لا مانع من العمل بذلك، لأن اعترافه بذلك يوجب ثبوت فسقه وثبوت فسقه لا يمنع العمل بموجب إقراره كالقاتل - مثلا - إذا اعترف بالقتل عمدا من غير تأويل، فإن ذلك يوجب فسقه ومع ذلك فنقلته عملا بموجب إقراره مع احتمال كونه في باطن الأمر كاذبا في ذلك الإقرار بعينه.

ولهذا حكم الفقهاء على من أقر بأنه شهد الزور بمقتضى اعترافه.

وهذا كله مع التجرد، أما إذا انضم إلى ذلك قرائن تقتضي صدقه في ذلك الإقرار كمن روى عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - حديث الأعمال بالنيات، فإنا نقطع بأنه ليس من رواية مالك ولا نافع ولا ابن عمر مع ترددنا في كون الراوي له على هذه الصورة كذب أو غلط فإذا أقر أنه غلط لم نرتب في ذلك، ولا سيما إن كان إخباره لنا بذلك بعد توبته.

وقد حكى مهنا بن يحيى أنه سأل أحمد عن حديث إبراهيم بن موسى المروزي ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - رفعه "العلم فريضة على كل مسلم .

فقال أحمد : هذا كذب.

يعني بهذا الإسناد.

ثم إن شيخنا - رضي الله عنه - مثل لقول ابن الصلاح : "أو ما يتنزل منزلة إقراره".

[ ص: 842 ] بما إذا حدث محدث عن شيخ، ثم ذكر أن مولده في تأريخ يعلم تأخره، عن وفاة ذلك الشيخ ولم يتعقبه بما تعقب به الأول والاحتمال يجري فيه كما يجري في الأول سواء، فيجوز أن يكذب في تاريخ مولده بل يجوز أن يغلط في التأريخ ويكون في نفس الأمر صادقا".

والأولى أن يمثل لذلك بما رواه البيهقي في المدخل بسنده الصحيح أنهم اختلفوا بحضور أحمد بن عبد الله الجويباري في سماع الحسن من أبي هريرة - رضي الله عنه - فروى لهم حديثا بسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سمع الحسن من أبي هريرة - رضي الله عنه".

وأن يمثل بالتأريخ لقول ابن الصلاح : "أو من قرينة حال الراوي".

وقد استشكل بعضهم الحكم على الحديث بالوضع لركاكة لفظه. ولم يتعرض شيخنا له، فأفردته كما سيأتي.

التالي السابق


الخدمات العلمية