الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1563 [ 809 ] وعن عائشة قالت : كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ، ليس فيها قميص ولا عمامة ، أما الحلة فإنما شبه على الناس فيها أنها اشتريت له ليكفن فيها ، فتركت الحلة وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ، فأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال : لأحبسنها حتى أكفن فيها نفسي ! ثم قال : لو رضيها الله لنبيه لكفنه فيها ! فباعها وتصدق بثمنها .

                                                                                              رواه أحمد (6 \ 40 و 231) ، والبخاري (1271) ، ومسلم (941) ، وأبو داود (3151) ، والترمذي (969) ، والنسائي (4 \ 35) ، وابن ماجه (1469) .

                                                                                              [ ص: 599 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 599 ] وقولها " كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب بيض سحولية " يدل على استحباب البياض في الكفن ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : إن من خير ثيابكم البياض ، فكفنوا فيها موتاكم . والكفن في غيره جائز ، ومن أطلق عليه أنه مكروه فمعناه أن البياض أولى . واختلف قول مالك في المعصفر ; فمرة كرهه لأنه مصبوغ يتجمل به ، وليس بموضع تجمل ، وأجازه أخرى لأنه من الطيب ولكثرة لباس العرب له . وسحولية : روايتنا فيه بفتح السين ، وهي منسوبة إلى سحول قرية باليمن . وفي الصحاح : السحل الثوب الأبيض من الكرسف من ثياب اليمن ، ويجمع سحول وسحل ، قال : ويقال سحول موضع باليمن ، والسحولية منسوبة إليه . وقد كره مالك وعامة العلماء التكفين في ثياب الحرير للرجال والنساء ، وأجازه ابن حبيب للنساء خاصة .

                                                                                              وقولها " ليس فيها قميص ولا عمامة " حمله الشافعي على أن ذلك ليس بموجود في الكفن ، فلا يقمص . وحمله مالك على أنه ليس بمعدود فيه وأن العمامة والقميص زائدان على الثلاثة الأثواب . ويحتمل إن كانا موجودين ، ولم يعدهما الراوي ، فيقمص ويعمم . وهو قول متقدمي أصحابه ; ابن القاسم وغيره ، وهو قول أبي حنيفة . وحكى ابن القصار أن القميص والعمامة غير مستحبين عند مالك ، ونحوه عن ابن القاسم ، وعلى هذا فيدرج في الثلاثة الأثواب إدراجا .

                                                                                              وقولها " أما الحلة فإنما شبه على الناس فيها " ، قال الخليل : الحلة [ ص: 600 ] ضرب من برود اليمن . وقال أبو عبيد : هي برود اليمن . والحلة إزار ورداء ، لا تسمى حلة حتى يكونا ثوبين .

                                                                                              وقولها في الأم : أدرج في حلة يمنية ، ثم نزعت عنه - تعني : وبعد ذلك كفن في الثلاثة الأثواب ، اختلف الرواة في هذا اللفظ ; فعند العذري يمنية ، وعند الصدفي يمانية ، وكلاهما منسوب إلى اليمن . وعند الفارسي حلة يمنة بتنوين حلة ورفع يمنة وإسكان الميم وفتح النون ، ويقال بحذف التنوين من [ ص: 601 ] حلة وإضافتها .

                                                                                              واختلف في القميص الذي غسل فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي نهوا عن نزعه ; فقال بعض العلماء : إنه نزع عنه حين كفن وستر بالأكفان ; لأنه كان مبلولا ، ولا يتفق تكفينه فيه كذلك . قد ذكر أبو داود عن ابن عباس : كفن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب نجرانية ; الحلة - ثوبان ، وقميصه الذي مات فيه . وهذا مخالف لحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم ، وقد نصت على أنه لم يكفن في الحلة .

                                                                                              وقولها " ليس فيها قميص ولا عمامة " محتمل لما ذكرناه ، والله أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية