الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
179 [ ص: 228 ] حديث سابع لحميد الطويل ، عن أنس

هو موقوف في الموطأ وأسندته طائفة عن مالك ، ليسوا في الحفظ هناك

مالك ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان ، فكلهم كان لا يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " إذا افتتح الصلاة .

التالي السابق


هكذا هو في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت موقوفا ، وروته طائفة عن مالك فرفعته ذكرت فيه النبي عليه السلام ، وليس ذلك بمحفوظ فيه عن مالك ، وممن رواه مرفوعا عن مالك الوليد بن مسلم ، حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن سليمان ، حدثنا محمد بن وزير ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا مالك ، عن حميد ، عن أنس ، قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكلهم كان لا يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " إذا افتتح الصلاة .

وذكره أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث ، فقال : حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن مالك بن أنس ، عن حميد ، عن أنس ، قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون القراءة ب " الحمد لله رب العالمين " ، لا يذكرون " بسم الله الرحمن الرحيم " .

وروي عن أبي قرة موسى بن طارق ، عن مالك أيضا مرفوعا ، حدثنا محمد ، حدثنا علي بن عمر ، حدثنا [ ص: 229 ] إبراهيم بن محمد بن يحيى ، حدثنا أحمد بن محمد بن الأزهر ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا أبو قرة ، عن مالك ، عن حميد ، عن أنس ، قال : صليت خلف رسول الله وأبي بكر وعمر فلم يكونوا يجهرون ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وهذا خطأ كله خلاف ما في الموطأ ، ورواه إسماعيل بن موسى السدي ، عن مالك مرفوعا أيضا ، إلا أنه اختلف عنه في لفظه .

حدثنا محمد ، حدثنا علي بن عمر ، حدثنا أبو سعيد محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن مشكان المروزي ، حدثنا عبد الله بن محمود المروزي ، حدثنا إسماعيل بن موسى السدي ، أخبرنا مالك ، عن حميد ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة ب " الحمد لله رب العالمين " .

أخبرنا محمد ، حدثنا علي بن عمر ، حدثنا أبو بكر الشافعي من كتابه ، حدثنا محمد بن الليث الجوهري ، حدثنا إسماعيل بن موسى ، حدثنا مالك ، عن حميد ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يستفتحون ب " بسم الله الرحمن الرحيم " .

ورفعه أيضا ابن أخي ابن وهب ، عن ابن وهب ، عن مالك ، حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أبو بكر أحمد بن صالح المقرئ ، حدثنا عبد الله بن أبي داود السجستاني ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، حدثنا عبد الله بن عمر ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة ، عن حميد ، عن أنس [ ص: 230 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ، لا يجهر في القراءة ب " بسم الله الرحمن الرحيم " .

فهذا ما بلغنا من الاختلاف على مالك في إسناد هذا الحديث ولفظه ، وهو في الموطأ موقوف ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد روى هذا الحديث عن أنس - قتادة وثابت البناني وغيرهما ، كلهم أسنده ، وذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أنهم اختلف عليهم في لفظه اختلافا كثيرا مضطربا متدافعا ، منهم من يقول فيه : كانوا لا يقرءون " بسم الله الرحمن الرحيم " . ومنهم من يقول : كانوا لا يجهرون ب " بسم الله الرحمن الرحيم " . ومنهم من قال : كانوا لا يتركون " بسم الله الرحمن الرحيم " . منهم من قال : كانوا يفتتحون القراءة ب " الحمد لله رب العالمين " . وهذا اضطراب لا يقوم معه حجة لأحد من الفقهاء ، وقد روي عن أنس أنه سئل عن هذا الحديث ، فقال : كبرنا ونسينا .

وقد أوضحنا ما للعلماء في قراءة " بسم الله الرحمن الرحيم " في فاتحة الكتاب وغيرها بوجوه اعتلالهم وآثارهم ، وما نزعوا به في ذلك في كتاب جمعته في ذلك ، وهو كتاب الإنصاف فيما بين علماء المسلمين في قراءة " بسم الله الرحمن الرحيم " في فاتحة الكتاب من الاختلاف ومضى في ذلك أيضا ما يكفي ويشفي في هذا الكتاب عند قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل اقرءوا ، يقول العبد : " الحمد لله رب العالمين " الحديث بتمامه إلى آخر السورة ، وهو أقطع حديث في ترك " بسم الله الرحمن الرحيم " ، والله أعلم ; لأن غيره من الأحاديث قد تأولوا فيها فأكثروا فيها التشغيب والمنازعة ، وبالله التوفيق .

قال أبو عمر : الاختلاف في " بسم الله الرحمن الرحيم " على أوجه : أحدها : هل هي من القرآن في غير سورة النمل ؟ والآخر : هل هي آية من فاتحة الكتاب ، أو هي آية من أول كل سورة من القرآن ؟ والثالث : هل [ ص: 231 ] تصح الصلاة دون أن يقرأ بها مع فاتحة الكتاب ؟ والرابع : هل تقرأ في النوافل دون الفرائض ؟ ونختصر القول في القراءة بها هاهنا لأنا قد استوعبنا القول في ذلك كله ومهدناه في كتاب الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف في ذلك ، قال مالك : لا تقرأ في المكتوبة سرا ولا جهرا ، وفي النافلة إن شاء فعل ، وإن شاء ترك ، وهو قول الطبري .

وقال الثوري وأبو حنيفة وابن أبي ليلى وأحمد بن حنبل : تقرأ مع أم القرآن في كل ركعة ، إلا أن ابن أبي ليلى قال : إن شاء جهر بها ، وإن شاء أخفاها .

وقال سائرهم : يخفيها .

وقال الشافعي : هي آية من فاتحة الكتاب يخفيها إذا أخفى ويجهر بها إذا جهر ، واختلف قوله : هل هي آية في أول كل سورة أم لا ؟ على قولين : أحدهما : هي ، وهو قول ابن المبارك ، والثاني : لا ، إلا في فاتحة الكتاب ، وقد أشبعنا ، هذا الباب وبسطناه بحجة كل فرقة في كتاب الإنصاف ، وفي باب العلاء من هذا الكتاب والحمد لله .

ومما هو موقوف في الموطأ ، وقد أسنده عن مالك من لا يوثق بحفظه أيضا ما أخبرناه محمد ، حدثنا علي بن عمر ، حدثنا علي بن أحمد بن حامد المعدل ، حدثنا إبراهيم بن ميمون ، قال : قرئ على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أخبركم ابن وهب ، حدثني مالك بن أنس وعبد الله بن عمر ويحيى بن أيوب ، عن حميد ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث للثيب وسبع للبكر لم يسنده غير ابن وهب إن صح عنه ، وهو في الموطأ عند جميعهم موقوف ، وقد ذكرنا معنى هذا الحديث مجودا مبسوطا ممهدا بما فيه للعلماء من المذاهب في باب عبد الله بن أبي بكر والحمد لله .




الخدمات العلمية