الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

436 - وإن يحدث من وراء ستر عرفته بصوت أو ذي خبر      437 - صح وعن شعبة لا ترو ، لنا
إن بلالا وحديث أمنا

[ السابع ] السادس بل السابع باعتبار إفراد مسألة الإجازة : ( وإن يحدث من وراء ستر ) إزار أو جدار أو نحو ذلك من ( عرفته ) إما ( بصوت ) ثبت لك أنه صوته بعلمك ( أو ) بإخبار ( ذي خبر ) به ممن تثق بعدالته وضبطه أن هذا صوته ; [ ص: 214 ] حيث كان يحدث بلفظه ، أو أنه حاضر إن كان السماع عرضا .

( صح ) على المعتمد ، بخلاف الشهادة على الأشهر ، وإن كان العمل على خلافه ; لأن باب الرواية أوسع . وكما أنه لا يشترط رؤيته له كذلك لا يشترط تمييز عينه من بين الحاضرين من باب أولى ، وإن قال أبو سعد السمعاني ما نصه : سمعت أبا عبد الله الفراوي يقول : كنا نسمع بقراءة أبي مسند أبي عوانة على أبي القاسم القشيري ، فكان يخرج في أكثر الأوقات وعليه قميص أسود خشن وعمامة صغيرة ، وكان يحضر معنا رجل من المحتشمين ، فيجلس بجانب الشيخ ، فاتفق انقطاعه بعد قراءة جملة من الكتاب ، ولم يقطع أبي القراءة في غيبته ، فقلت له لظني أنه هو المسمع : يا سيدي على من تقرأ والشيخ ما حضر ؟ فقال : كأنك تظن أن شيخك هو المحتشم ، قلت له : نعم ، فضاق صدره واسترجع وقال : يا بني ، إنما شيخك هذا القاعد . ثم علم ذلك المكان حتى أعاد لي من أول الكتاب إليه .

( وعن شعبة ) بن الحجاج أنه قال : ( لا ترو ) عمن يحدثك ممن لم تر وجهه ، فلعله شيطان قد تصور في صورته يقول : ثنا وأنا . وهو وإن أطلق الصورة إنما أراد الصوت ، ووجه هذا أن الشياطين أعداء الدين ، ولهم قوة التشكل في الصور فضلا عن الأصوات ، فطرق احتمال أن يكون هذا الراوي شيطانا ، [ ص: 215 ] ولكن هذا بعيد ، لا سيما ويتضمن عدم الوثوق بالراوي ولو رآه ، لكن قال بعض المتأخرين : كأنه يريد حيث لم يكن معروفا ، فإذا عرف وقامت عنده قرائن أنه فلان المعروف ، فلا يختلف فيه . وعلى كل حال ، فقد قال ابن كثير : إنه عجيب وغريب جدا - انتهى .

والحجة ( لنا ) في اعتماد الصوت حديث ابن عمر رفعه : ( إن بلالا ) يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم ) ) ، كما ذكره عبد الغني بن سعيد الحافظ ، حيث أمر الشارع بالاعتماد على صوته مع غيبة شخصه عمن يسمعه ، وقد يخدش فيه بأن الأذان لا قدرة للشياطين على سماع ألفاظه ، فكيف بقوله .

( و ) لكن من الحجة لنا أيضا ( حديث أمنا ) ، معاشر المؤمنين ، عائشة وغيرها من الصحابيات رضي الله عنهن من وراء الحجاب ، والنقل لذلك عنهن ممن سمعه ، والاحتجاج به في الصحيح إلى غير ذلك من الأدلة .

وقد ترجم البخاري في صحيحه شهادة الأعمى ، وأمره ، ونكاحه ، وإنكاحه ، ومبايعته ، وقبوله في التأذين وغيره ، وما يعرف من الأصوات ، وأورد من الأدلة لذلك حديث المسور بن مخرمة : قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أقبية ، فقال لي أبي : انطلق بنا إليه عسى أن يعطينا منها شيئا ، فقام أبي على الباب فتكلم ، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم صوته ، فخرج ومعه قباء ، وهو يريه محاسنه ، وهو يقول : ( ( خبأت هذا لك ، خبأت هذا لك ) ) .

وحديث عائشة : تهجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي ، فسمع صوت عباد يصلي في المسجد ، فقال : ( ( يا عائشة ، أصوت عباد هذا ؟ ) ) قلت : نعم . الحديث .

وقول سليمان بن يسار : استأذنت على عائشة ، فعرفت صوتي قالت : سليمان ؟ [ ص: 216 ] ادخل . إلى غيرها . على أن ابن أبي الدم قال : إن قول شعبة محمول على احتجاب الراوي من غير عذر مبالغة في كراهة احتجابه ، أما النساء فلا خلاف في جواز الرواية عنهن مع وجوب احتجابهن - انتهى .

ومقتضاه عدم جواز النظر إليهن للرواية ، وفيه نظر ; حيث لم تمكن معرفتها بدونه ، وعلى اعتماده فهي تخالف الشهادة ; حيث يجوز النظر للمرأة بل يجب ، ولا يكفي الاعتماد على صوتها كما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية