الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

438 - ولا يضر سامعا أن يمنعه الشيخ أن يروي ما قد سمعه      439 - كذلك التخصيص أو رجعت
ما لم يقل أخطأت أو شككت

الثامن : ( ولا يضر سامعا ) ممن سمع لفظا أو عرضا ( أن يمنعه الشيخ ) المسمع بعد الفراغ من السماع أو قبله ( أن يروي ) عنه ( ما قد سمعه ) منه ، بأن يقول له لا لعلة أو ريبة في المسموع أو إبداء مستند سوى المنع اليابس : لا تروه عني ، أو ما أذنت لك في روايته عني ، ونحو ذلك ، بل يسوغ له روايته عنه كما صرح به غير واحد من الأئمة ; منهم ابن خلاد في المحدث الفاصل في مسألتنا ، بل زاد ابن خلاد مما قال به أيضا ابن الصباغ كما سيأتي في سادس أقسام التحمل أنه لو قال له : هذه روايتي لكن لا تروها عني ولا أجيزها لك ، لم يضره ذلك .

وتبعه القاضي عياض فقال : وما قاله صحيح ، لا يقتضي النظر سواه ; لأنه قد حدثه ، وهو شيء لا يرجع فيه ، فلا يؤثر منعه ، قال : ولا أعلم مقتدى به قال خلاف هذا في تأثير منع الشيخ ورجوعه عما حدث به من حدثه ، وأن ذلك يقطع سنده عنه ، إلا أني قرأت في كتاب الفقيه أبي بكر بن أبي عبد الله المالكي في طبقات [ ص: 217 ] علماء أفريقية نقل عن شيخ من جلة شيوخها أنه أشهد بالرجوع عما حدث به بعض أصحابه لأمر نقمه عليه ، وكذلك فعل مثل هذا بعض من لقيناه من مشايخ الأندلس المنظور إليهم ، وهو الفقيه المحدث أبو بكر بن عطية ; حيث أشهد بالرجوع عما حدث به بعض جماعته لهوى ظهر له منه ، وأمور أنكرها عليه . ولعل هذا صدر منهم تأديبا وتضعيفا لهم عند العامة ، لا لأنهم اعتقدوا صحة تأثيره .

وقياس من قاس الرواية هنا على الشهادة غير صحيح ; لأن الشهادة على الشهادة لا تصح إلا مع الإشهاد ، لا كذلك الرواية ; فإنها متى صح السماع صحت بغير إذن من سمع منه - انتهى .

وإن روي عن بشير بن نهيك قال : كنت آتي أبا هريرة فأكتب عنه ، فلما أردت فراقه أتيته فقلت : هذا حديثك أحدث به عنك ؟ قال : نعم . فقد قال الخطيب : إنه غير لازم . وصرح غيره بالاتفاق . ويلحق بالسمع في ذلك المجاز أيضا ، وما أعلمه بأنه مرويه مما لم يجزه به صريحا كما تقدم قريبا .

وكذلك لا يضر ( التخصيص ) من الشيخ لواحد فأكثر بالسماع إذا سمع هو ، سواء علم الشيخ بسماعه أو لم يعلم من باب أولى ، كما صرح بالحكم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني إذا سأله أبو سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك النيسابوري عنه في جملة من الأسئلة عندي في جزء مفرد ، وعمل به النسائي والسلفي وآخرون .

بل ولو صرح بقوله : أخبركم ولا أخبر فلانا ، لم يضره ، ولكنه لا يحسن في [ ص: 218 ] الأداء أن يقول : حدثني ونحوها مما يدل على أن الشيخ رواه كما أسلفته في أول أقسام التحمل .

وكذا لا يضر الرجوع بالكناية وما أشبهها ( أو ) بالتصريح كأن يقول : ( رجعت ) ونحوها مما لا ينفي أنه من حديثه كما سلف في كلام القاضي عياض في المسألة الأولى ( ما لم يقل ) مع ذلك : ( أخطأت ) فيما حدثت به ، أو تزيدت ( أو شككت ) في سماعه أو نحو ذلك ، كما فعل شيخنا رحمه الله ; إذ سمعنا عليه ذم الكلام للهروي ، حيث قال : أذنت لكم في روايته عني ما عدا كذا وكذا . فإنه والحالة هذه ليس له أن يرويه عنه ، ثم إنه لو أراد الشيخ إسماعه بعد قوله : تزيدت أو أخطأت ، كان قدحا فيه بخلاف قوله : شككت .

التالي السابق


الخدمات العلمية