الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا اشترى المأذون من رجل كر حنطة يساوي مائة درهم بثمانين درهما فصب العبد فيه ماء قبل أن يقبضه فأفسده فصار يساوي ثمانين درهما ، ثم إن البائع بعد ذلك صب فيه ماء فأفسده فصار يساوي ستين درهما فالمأذون بالخيار للتغيير الحاصل فيه بفعل البائع فإنه بما صنع صار مستردا محدثا للعيب فيه ولم يوجد من العبد الرضا بذلك فكان له الخيار فإن اختار أخذ الكر أخذه بأربعة وستين درهما ; لأن البائع صار متلفا خمس المبيع فسقطت حصته من الثمن ، وذلك الخمس وخمس ثمانين ستة عشر فإذا سقط من المشتري ستة عشر درهما بقي عليه أربعة وستون فإن قيل أتلف البائع ربع الباقي ; لأن الثمن حين أفسده البائع كان ثمانين وقد تراجع إلى ستين قلنا إنما يعتبر ما أتلف البائع من المبيع والمبيع قيمته مائة والجزء أتلفه المشتري تقرر البيع فيه ولم ينتقض ; فلهذا سقط بفعل البائع خمس الثمن فإن تركه المشتري فلا ضمان عليه ; لما أفسد ; لأن الكر بعينه قد رجع إلى البائع فإنما بقي الفائت بفعل المشتري مجرد الجودة ولا قيمة للجودة في الأموال الربوية منفردة عن الأصل وقد صار البائع راضيا بذلك حين استرده بالإفساد بعد فعل المشتري ، ولو ضمن له المشتري النقصان عاد إليه الكر تاما مع زيادة دراهم ، وذلك ربا .

( ألا ترى ) أن الغاصب [ ص: 182 ] لو أفسد الكر بصب الماء فيه ، ثم اختار المغصوب منه أخذه لم يكن له أن يضمن الغاصب النقصان فهذا مثله بخلاف ما إذا اختار الأخذ فإنا لو أسقطنا عن المشتري حصة ما أتلفه البائع من الثمن لا يؤدي إلى الربا بل يسلم الكر للمشتري بأربعة وستين درهما ، وذلك صحيح كما لو أبرأه البائع عن خمس الثمن ، ولو كان البائع هو الذي صب فيه الماء أولا ، ثم المشتري صب فيه الماء فإن المشتري يجبر على قبضه ; لأنه صار راضيا بالتعييب الحاصل بفعل البائع حين قبضه بالتعييب بعده ويؤدي أربعة وستين درهما ; لما قلنا ، وكذلك هذا الحكم في كل مكيل أو موزون .

التالي السابق


الخدمات العلمية