الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا خرج العبد إلى مصر فاتجر فيه فلحقه دين ، ثم قال لم يأذن لي مولاي فلان في التجارة ، وقال الغرماء : قد أذن لك فللغرماء بيع جميع ما في يده في دينهم استحسانا .

وفي القياس لا يباع شيء مما في يده حتى يحضر المولى فتقوم عليه البينة بالإذن ; لأن السبب الموجب للحجر عليه ، وهو الرق معلوم ، والغرماء يدعون عارض الإذن ، والعبد ليس بخصم في ذلك ما لم يحضر مولاه وأكثر ما فيه أن تكون معاملته معهم إقرارا منه بأنه مأذون له ولكن إقراره لا يكون حجة على المولى ، وما في يده من الكسب ملك المولى كرقبته فكما لا تباع رقبته في الدين حتى يحضر المولى فكذلك لا يباع كسبه ، وجه الاستحسان أن الظاهر شاهد للغرماء ; لأن استبداد العبد بالتصرف معهم دليل ظاهر على كونه مأذونا ، ومن حيث العرف الإنسان لا يبعث عبده إلى مصر آخر ما لم يأذن له في التجارة ولكن هذا الظاهر حجة في دفع الاستحقاق لا في إثبات الاستحقاق ، وفي حق الرقبة حاجتهم .

[ ص: 72 ] إلى استحقاق ماليتها على المولى ، والظاهر لا يكفي لذلك فما لم يحضر المولى لاتباع الرقبة فأما في حق الكسب فحاجتهم إلى دفع استحقاق المولى ; لأن المولى يستحق الكسب من جهة عبده بشرط الفراغ عن دينه .

يوضحه أن الكسب حصل في يده بسبب معاملته وديونهم وجبت بذلك السبب أيضا فهم أحق بالكسب حتى يستوفوا ديونهم منهم بطريق إقامة البدل مقام المبدل ، وأما الرقبة فسلامتها للمولى لم يكن بالسبب الذي به وجبت الديون عليه فلهذا لا تباع حتى يحضر مولاه فإن أقام الغرماء البينة أن العبد مأذون له وهو يجحد ، والمولى غائب لم تقبل بينتهم لخلوها عن الفائدة فإن حقهم ثابت في الكسب من غير بينة ، والعبد ليس بخصم في حق الرقبة فلو لم تقم البينة على الإذن وأقر به العبد بيع ما في - يده أيضا ، ولم تبع رقبته ; لأن الخصم في الرقبة المولى وإقرار العبد ليس بحجة على المولى فإن حضر مولاه بعد ما باع القاضي ما في يده فقاضاه الغرماء فأنكر أن يكون أذن له في التجارة فإن القاضي يسأل الغرماء البينة على الإذن من المولى ; لأنهم يدعون عليه الإذن العارض فلا بد أن يقيم البينة عليه فإن أقاموا وإلا ردوا ما أخذوا .

فإن قيل فأين ذهب قولكم أنهم يستحقون ما في يده باعتبار الظاهر .

قلنا : نعم ولكن هذا الاستحقاق إنما يكون في حق من لم يثبت له حقيقة الاستحقاق بعد ذلك قبل أن يحضر المولى ; لأن الملك في رقبته للمولى لا يثبت حقيقة ما لم يحضر فيصدقه في ذلك .

( ألا ترى ) أنه لو حضر ، وقال : هو حر أو ملك فلان لغيره لم يكن له في كسبه سبب الاستحقاق حقيقة فأما بعدما حضر وادعى رقبته فقد ظهر استحقاقه حقيقة لكسبه فيسقط اعتبار هذا الظاهر بعد هذا ويحتاج الغرماء إلى إثبات السبب الموجب للاستحقاق لهم في كسبه ورقبته على المولى ، وذلك الإذن فإذا لم يقيموا البينة على ذلك لزمهم رد ما أخذوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية