الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 214 ] الحديث الثاني :

                                549 574 - حدثنا هدبة بن خالد : ثنا همام : حدثني أبو جمرة ، عن أبي بكر ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من صلى البردين دخل الجنة ) .

                                التالي السابق


                                وقال ابن رجاء : حدثنا همام ، عن أبي جمرة ، أن أبا بكر بن عبد الله بن قيس أخبره بهذا .

                                حدثنا إسحاق : ثنا حبان : ثنا همام : ثنا أبو جمرة ، عن أبي بكر بن عبد الله ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

                                ( أبو جمرة ) ، هو : نصر بن عمران الضبعي ، وهو بالجيم والراء المهملة .

                                وقد خرج هذا الحديث مسلم عن هداب بن خالد ، وهو هدبة الذي خرجه عنه البخاري ، ونسب فيه أبا جمرة ، فقال : حدثني أبو جمرة الضبعي .

                                وأما أبو بكر ، فقد أشار البخاري إلى أنه أبو بكر بن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس ، واستشهد له بشيئين :

                                أحدهما : رواية ابن رجاء التي ذكرها تعليقا عنه ، عن همام ، عن أبي جمرة ، أن أبا بكر بن عبد الله بن قيس أخبره .

                                والثاني : أنه أسنده من رواية حبان بن موسى ، عن همام : ثنا أبو جمرة ، عن أبي بكر بن عبد الله - وهو : ابن أبي موسى عبد الله بن قيس .

                                وخرجه مسلم من طريق بشر بن السري وعمرو بن عاصم ، قالا : ثنا همام - بهذا الإسناد ، ونسبا أبا بكر ، فقالا : ابن أبي موسى .

                                وإنما احتيج إلى هذا ; لاختلاف وقع بين الحفاظ في نسبة أبي بكر هذا : [ ص: 215 ] فمنهم من قال : هو أبو بكر بن أبي موسى ، وتصرف الشيخين في ( صحيحيهما ) يدل على ذلك .

                                ومنهم من قال : هو أبو بكر بن عمارة بن رؤيبة .

                                واستدلوا بما خرجه مسلم من رواية وكيع ، عن ابن أبي خالد ومسعر والبختري بن المختار ، سمعوا من أبي بكر بن عمارة بن رؤيبة ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) - يعني : الفجر والعصر . وعنده رجل من أهل البصرة ، فقال له : أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم . قال الرجل : وأنا أشهد أني سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، سمعته أذناي ، ووعاه قلبي .

                                وخرجه - أيضا - من حديث ابن عمارة بن رؤيبة ، عن أبيه والرجل البصري . وزاد البصري : قال : سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمكان الذي سمعته منه .

                                فمن هنا قال بعضهم : أبو بكر الذي روى عنه أبو جمرة هو ابن عمارة بن رؤيبة ، عن أبيه عمارة بن رؤيبة ، لأن معنى الحديثين متقارب .

                                قال ابن أبي خيثمة في ( كتابه ) : سألت يحيى بن معين عن أبي بكر الذي روى حديث ( البردين ) : من أبوه ؟ قال : يرون أنه أبو بكر بن أبي موسى ; فلذلك استغربوه . قال : فقال له أبي : يشبه أن يكون : أبو بكر بن عمارة بن رؤيبة ; لأنه يروي عن أبيه عمارة : ( من صلى قبل الغداة وقبل غروب الشمس ) .

                                وقال صالح بن محمد ، عن علي بن المديني : هو عندي أبو بكر بن عمارة ; لأن معنى الحديثين واحد . قيل له : إن أبا داود الطيالسي وهدبة [ ص: 216 ] نسباه ، فقالا : عن أبي بكر بن أبي موسى ؟ فقال : ليسا ممن يضبط هذا ; حدثاه بهز وحبان ولم ينسباه .

                                قال أبو بكر الخطيب : قد نسبه جماعة عن همام ، منهم : بشر بن السري ، وعبد الله بن رجاء ، وعمرو بن عاصم ، وللناسب فضل تعرف وبيان على من لم ينسبه .

                                قال : وكان عفان ينسبه كذلك حتى قال له بلبل وعلي بن المديني : إنه أبو بكر بن عمارة ، فترك نسبته ، وقال : عن أبي بكر ، عن أبيه .

                                ونقل البرقاني عن الدارقطني ، أنه كان يقول : هو أبو بكر بن عمارة بن رؤيبة ، وعن الإسماعيلي عن مطين مثله .

                                وقال أبو الحسن [ العقيلي ] : اختلف فيه ، فالأقوى أنه أبو بكر بن أبي موسى الأشعري ، عن أبيه . ويقال : هو أبو بكر بن عمارة بن رؤيبة ، عن أبيه .

                                وكذلك قال مطين ، وإليه كان يميل شيخنا أبو الحسن - يعني : الدارقطني رحمه الله .

                                و ( البردان ) : صلاة الصبح والعصر ; لأنهما يصليان في برد النهار من أوله وآخره .

                                وأما الظهر فتسمى الهجير كما في حديث أبي برزة ; لأنها تصلى بالهاجرة .

                                ويقال للعصر والفجر : العصران ; كذلك روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث فضالة الليثي ، وأنه وصاه بالمحافظة عليهما .

                                [ ص: 217 ] وصلاة الصبح من صلاها فهو في ذمة الله ، كما في حديث جندب بن سفيان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( من صلى الصبح فهو في ذمة الله ، فلا تخفروا الله في ذمته )

                                خرجه مسلم .

                                وفي رواية له - أيضا - زيادة : ( فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم ) .

                                وقد روي مثله في صلاة العصر - أيضا .

                                خرجه نعيم بن حماد في ( كتاب الفتن ) عن عبد العزيز الدراوردي ، عن زيد بن أسلم ، عمن حدثه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من صلى الصبح كان في جوار الله حتى يمسي ، ومن صلى العصر كان في جوار الله حتى يصبح ، فلا تخفروا الله في جواره ؟ فإنه من أخفر الله في جواره طلبه الله ، ثم أدركه ، ثم كبه على منخره ) - أي : في جهنم .



                                الخدمات العلمية