الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1128 حدثنا مسدد حدثنا إسمعيل أخبرنا أيوب عن نافع قال كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( يطيل الصلاة قبل الجمعة ) والحديث يدل على مشروعية الصلاة قبل [ ص: 355 ] الجمعة ولم يتمسك المانع من ذلك إلا بحديث النهي عن الصلاة وقت الزوال ، وهو مع كون عمومه مخصصا بيوم الجمعة ليس فيه ما يدل على المنع من الصلاة قبل الجمعة على الإطلاق ، وغاية ما فيه المنع في وقت الزوال وهو غير محل النزاع . والحاصل أن الصلاة قبل الجمعة مرغب فيها عموما وخصوصا ، فالدليل على مدعي الكراهة على الإطلاق قاله الشوكاني .

                                                                      وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت الحديث . وأخرج ابن ماجه من طريق بقية عن مبشر بن عبيد عن حجاج بن أرطاة عن عطية العوفي عن ابن عباس قال " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يركع من قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شيء منهن " وهذا الحديث ضعيف جدا ولا تقوم به الحجة ، بقية بن الوليد كثير التدليس ، ومبشر منكر الحديث ، قال أحمد كان يضع الحديث ، والحجاج بن أرطاة تركه يحيى القطان وابن مهدي ، وعطية ضعفه الجمهور .

                                                                      قال الشيخ أبو شامة في كتاب الباعث : ولعل الحديث انقلب على أحد هؤلاء الضعفاء لعدم ضبطهم وإتقانهم فقال قبل الجمعة وإنما هو بعد الجمعة فيكون موافقا لما ثبت في الصحيح انتهى . وقال الترمذي : وروي عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا ، وإليه ذهب الثوري وابن المبارك .

                                                                      ( كان يفعل ذلك ) قال أبو شامة في الباعث على إنكار البدع والحوادث أراد بقوله إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك أنه كان يصلي الركعتين بعد الجمعة في بيته ولا يصليها في المسجد وذلك هو المستحب ، وقد ورد من غير هذا الحديث وأرشد إلى هذا التأويل ما تقدم من الأدلة على أنه لا سنة للجمعة قبلها . وأما إطالة ابن عمر الصلاة قبل الجمعة فذلك منه ومن أمثاله تطوعا من عند أنفسهم لأنهم كانوا يبكرون إلى حضور الجمعة فيشتغلون بالصلاة وكذا المراد من صلاة ابن مسعود - رضي الله عنه - قبل الجمعة أربعا أنه كان يفعل ذلك تطوعا إلى خروج الإمام . فمن أين لكم أنه كان يعتقد أنها سنة الجمعة .

                                                                      وقد جاء عن غيره من الصحابة أكثر من ذلك . قال أبو بكر بن المنذر : روينا عن ابن عمر أنه كان يصلي قبل الجمعة اثنتي عشرة ركعة . وعن ابن عباس أنه كان يصلي ثماني ركعات وهذا دليل على أن ذلك كان منهم من باب التطوع من قبل أنفسهم من غير توقيف من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولذلك اختلف العدد المروي عنهم ، وباب التطوع مفتوح ، ولعل ذلك كان يقع منهم أو معظمه قبل الأذان ودخول وقت الجمعة لأنهم كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام .

                                                                      وجرت عادة الناس أنهم يصلون بين الأذانين يوم الجمعة متنفلين بركعتين أو أربع [ ص: 356 ] ونحو ذلك إلى خروج الإمام ، وذلك جائز ومباح وليس بمنكر من جهة كونه صلاه ، وإنما المنكر اعتقاد العامة منهم ومعظم المتفقه منهم أن ذلك سنة للجمعة قبلها كما يصلون السنة قبل الظهر ولك ذلك بمعزل عن التحقيق ، والجمعة لا سنة لها قبلها كالعشاء والمغرب وكذا العصر انتهى كلامه ملخصا .

                                                                      قلت : حديث ابن عمر الذي نشرحه قال النووي في الخلاصة صحيح على شرط البخاري ، وقال العراقي في شرح الترمذي إسناده صحيح ، وقال الحافظ ابن الملقن في رسالته إسناده صحيح لا جرم وأخرجه ابن حبان في صحيحه انتهى . وأما المشار إليه في قول ابن عمر كان يفعل ذلك فالظاهر ما قاله الشيخ أبو شامة من أنه كان يصلي الركعتين بعد الجمعة في بيته .

                                                                      وقال الحافظ : احتج النووي بحديث ابن عمر على إثبات سنة الجمعة التي قبلها ، وتعقب بأن قوله وكان يفعل ذلك عائد على قوله ويصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته ، ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن عبد الله " أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته ثم قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك " أخرجه مسلم .

                                                                      وأما قوله " كان يطيل الصلاة قبل الجمعة " فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعا لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة ، وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لا صلاة راتبة فلا حجة فيه لسنة الجمعة التي قبلها بل هو تنفل مطلق وقد ورد الترغيب فيه وورد في سنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة انتهى . ويؤيد قول الحافظ ما أخرجه الإمام أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون عن نافع قال " كان ابن عمر يهجر يوم الجمعة فيطيل الصلاة قبل أن يخرج الإمام " والله أعلم .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي بنحوه وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من وجه آخر بمعناه .




                                                                      الخدمات العلمية