الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 103 ] [ 7 ، 8 ] فإن لم يكونا أي من تستشهدونهما رجلين وجعل المفسرون الضمير للشاهدين بحسب الإرادة والقصد فرجل وامرأتان يستشهدان أو فليستشهد رجل وامرأتان ، وتقديرنا أولى من تقدير الجمهور الإشهاد ، وإنما وافقوا اصطلاح الفقهاء واتبعنا نظم القرآن ممن ترضون من الشهداء قالوا : أي ممن ترضون دينهم وعدالتهم حال كونهم من الشهداء ، وإنما وصف الرجل مع المرأتين بهذا الوصف لضعف شهادة النساء وقلة ثقة الناس بها ; ولذلك وكل الأمر فيه إلى رضا المستشهدين ، ثم بين علة جعل المرأتين بمنزلة رجل واحد بقوله - عز وجل - : أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى أي حذر أن تضل إحداهما أي تخطئ لعدم ضبطها وقلة عنايتها فتذكر كل منهما الأخرى بما كان ، فتكون شهادتها متممة لشهادتها ; أي إن كلا منهما عرضة للخطأ والضلال ، أي الضياع وعدم الاهتداء إلى ما كان وقع بالضبط فاحتيج إلى إقامة الثنتين مقام الرجل الواحد ؛ لأنهما بتذكير كل منهما للأخرى تقومان مقام الرجل ، ولهذا أعاد لفظ ( إحداهما ) مظهرا وليس المعنى لئلا تنسى واحدة فتذكرها الثانية ، كما فهم كثير من المفسرين . وقال بعضهم ( وهو الحسين بن علي المغربي ) معناه أن تضل إحدى الشهادتين عن إحدى المرأتين فتذكرها بها المرأة الأخرى ، فجعل إحدى الأولى للشهادة والثانية للمرأة ، وأيده الطبرسي بأن نسيان الشهادة لا يسمى ضلالا ؛ لأن الضلال معناه الضياع ، والمرأة لا تضيع واستدل على التفرقة بين الضلال والنسيان بقوله - تعالى - : ضلوا عنا [ 40 : 74 ] ومثله : لا يضل ربي ولا ينسى [ 20 : 52 ] وكأن الأستاذ الإمام أقره عند ما ذكره . ورده بعضهم بما في من التفكيك ، وبأن تفسير الضلال بالنسيان مروي عن سعيد بن جبير والضحاك وغيرهما ، ونقله ابن الأثير لغة . أقول : وما ذكرته يغني عن هذا . وذكر الألوسي في وجه العدول عن قوله : ( فتذكرها ) إلى قوله : فتذكر إحداهما الأخرى أنه رأى في طراز المجالس أن الخفاجي سأل قاضي للقضاة شهاب الدين الغزنوي عن سر تكرار ( إحدى ) معرضا بما ذكره المغربي فقال :


                          يا رأس أهل العلوم السادة البرره ومن نداه على كل الورى نشره     ما سر تكرار ( إحدى ) دون ( تذكرها )
                          في آية لذوي الإشهاد في البقره     وظاهر الحال إيجاز الضمير على
                          تكرار ( إحداهما ) لو أنه ذكره     وحمل الاحدى على نفس الشهادة في
                          أولاهما ليس مرضيا لدى المهره     فغص بفكرك لاستخراج جوهرة
                          من بحر علمك ثم ابعث لنا درره



                          فأجاب القاضي


                          يا من فوائده بالعلم منتشره     ومن فضائله بالكون مشتهره


                          يا من تفرد في كشف العلوم     لقد وافى سؤالك والأسرار مستتره

                          [ ص: 104 ] "

                          تضل إحداهما " فالقول محتمل     كليهما فهي للإظهار مفتقره


                          ولو أتى بضمير كان مقتضيا     تعيين واحدة للحكم معتبره


                          ومن رددتم عليه الحل فهو كما أشرتم     ليس مرضيا لمن سبره


                          هذا الذي سمح الذهن الكليل به     والله أعلم في الفحوى بما ذكره



                          وقد علل بعضهم كون النساء عرضة للضلال أو النسيان بأنهن ناقصات عقل ودين ، وعلله بعضهم بكثرة الرطوبة في أمزجتهن ، وقال الأستاذ الإمام : تكلم المفسرون في هذا وجعلوا سببه المزاج ، فقالوا : إن مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان ، وهذا غير متحقق ، والسبب الصحيح أن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات ، فلذلك تكون ذاكرتها فيها ضعيفة ولا تكون كذلك في الأمور المنزلية التي هي شغلها ، فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل ، يعني أن من طبع البشر ذكرانا وإناثا أن يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم ويكثر اشتغالهم بها ، ولا ينافي ذلك اشتغال بعض نساء الأجانب في هذا العصر بالأعمال المالية فإنه قليل لا يعول عليه ، والأحكام العامة إنما تناط بالأكثر في الأشياء وبالأصل فيها .

                          وقال الأستاذ الإمام : إن الله - تعالى - جعل شهادة المرأتين شهادة واحدة ، فإذا تركت إحداهما شيئا من الشهادة ، كأن نسيته أو ضل عنها تذكرها الأخرى وتتم شهادتها ، وللقاضي بل عليه أن يسأل إحداهما بحضور الأخرى ويعتد بجزء الشهادة من إحداهما وبباقيها من الأخرى ، قال : هذا هو الواجب وإن كان القضاة لا يعملون به جهلا منهم ، وأما الرجال فلا يجوز له أن يعاملهم بذلك ، بل عليه أن يفرق بينهم ، فإن قصر أحد الشاهدين أو نسي فليس للآخر أن يذكره ، وإذا ترك شيئا تكون الشهادة باطلة ، يعني إذا ترك شيئا مما يبين الحق فكانت شهادته وحده غير كافية لبيانه فإنها لا يعتد بها ولا بشهادة الآخر وحدها وإن بينت .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية