الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( الوظيفة الثانية - الإيمان والتصديق ) وهو أنه يعلم قطعا أن هذه الألفاظ أريد بها معنى يليق بجلال الله وعظمته ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صادق في وصف الله - تعالى - به ، فليؤمن بذلك وليوقن بأن ما قاله صدق وما أخبر عنه حق لا ريب فيه ، وليقل آمنا وصدقنا ، وأن ما وصف الله - تعالى - به نفسه أو وصفه به رسوله فهو كما وصفه ، وحق بالمعنى الذي أراده وعلى الوجه الذي قاله وإن كنت لا تقف على حقيقته ، فإن قلت : التصديق إنما يكون بعد التصور ، والإيمان إنما يكون بعد التفهم ، فهذه الألفاظ إذا لم يفهم العبد معانيها كيف يعتقد صدق قائلها فيها ؟ فجوابك أن التصديق بالأمور الجملية ليس بمحال ، وكل عاقل يعلم أنه أريد بهذه الألفاظ معان ، وأن كل اسم فله مسمى إذا نطق به من أراد مخاطبة قوم قصد ذلك المسمى فيمكنه أن يعتقد كونه صادقا مخبرا عنه على ما هو عليه ، فهذا معقول على سبيل الإجمال ، بل يمكن أن يفهم من هذه الألفاظ أمور جملية غير مفصلة ويمكن التصديق ، كما إذا قال في البيت حيوان أمكن أن يصدق دون أن يعرف أنه إنسان أو فرس أو غيره ، بل لو قال فيه شيء أمكن تصديقه وإن لم يعرف ما ذلك الشيء ، فكذلك من سمع الاستواء على العرش فهم على الجملة أنه أريد بذلك نسبة خاصة إلى العرش فيمكنه التصديق قبل أن يعرف أن تلك النسبة هي نسبة الاستقرار عليه أو الإقبال على خلقه أو الاستيلاء عليه بالقهر أو بمعنى آخر من معاني النسبة فأمكن التصديق به ، وإن قلت : فأي فائدة في مخاطبة الخلق بما لا يفهمون ؟ فجوابك : أنه قصد بهذا الخطاب تفهيم من هو أهله ، وهم الأولياء والراسخون في العلم وقد فهموا ، وليس من شرط من خاطب العقلاء بكلام أن يخاطبهم بما يفهم الصبيان والعوام [ ص: 175 ] بالإضافة إلى العارفين كالصبيان بالإضافة إلى البالغين ، ولكن على الصبيان أن يسألوا البالغين عما لا يفهمونه ، وعلى البالغين أن يجيبوا الصبيان بأن هذا ليس من شأنكم ولستم من أهله فخوضوا في حديث غيره فقد قيل للجاهلين : فاسألوا أهل الذكر [ 21 : 7 ] فإن كانوا يطيقون فهمه فهموهم وإلا قالوا لهم : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [ 17 : 85 ] فلا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ، ما لكم ولهذا السؤال ؟ هذه معان الإيمان بها واجب والكيفية مجهولة أي مجهولة لكم ، والسؤال عنه بدعة كما قال مالك : " الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والإيمان به واجب " . فإذن الإيمان بالجمليات التي ليست مفصلة في الذهن ممكن ، ولكن تقديسه الذي هو نفي للمحال عنه ينبغي أن يكون مفصلا فإن المنفي هي الجسمية ولوازمها ونعني بالجسم هاهنا الشخص المقدر الطويل العريض العميق الذي يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو الذي يدفع ما يطلب مكانه وإن كان قويا ، ويندفع ويتنحى عن مكانه بقوة دافعة إن كان ضعيفا ، وإنما شرحنا هذا اللفظ مع ظهوره لأن العامي ربما لا يفهم المراد به .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية