الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نهي

                                                          نهي : النهي : خلاف الأمر . نهاه ينهاه نهيا فانتهى وتناهى : كف ، أنشد سيبويه لزياد بن زيد العذري :


                                                          إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده أطال فأملى أو تناهى فأقصرا



                                                          وقال في المعتل بالألف : نهوته عن الأمر بمعنى نهيته . ونفس نهاة : منتهية عن الشيء . وتناهوا عن الأمر وعن المنكر : نهى بعضهم بعضا . وفي التنزيل العزيز : كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه وقد يجوز أن يكون معناه ينتهون . ونهيته عن كذا فانتهى عنه ، وقول الفرزدق :


                                                          فنهاك عنها منكر ونكير

                                                          إنما شدده للمبالغة . وفي حديث قيام الليل : هو قربة إلى الله ومنهاة عن الآثام ، أي حالة من شأنها أن تنهى عن الإثم ، أو هي مكان مختص بذلك ، وهي مفعلة من النهي ، والميم زائدة ، وقوله :


                                                          سمية ، ودع إن تجهزت غاديا     كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا



                                                          فالقول أن يكون ناهيا اسم الفاعل من نهيت كساع من سعيت وشار من شريت ، وقد يجوز مع هذا أن يكون ناهيا مصدرا هنا كالفالج ونحوه مما جاء فيه المصدر على فاعل حتى كأنه قال : كفى الشيب والإسلام للمرء نهيا وردعا أي ذا نهي ، فحذف المضاف وعلقت اللام بما يدل عليه الكلام ، ولا تكون على هذا معلقة بنفس الناهي لأن المصدر لا يتقدم شيء من صلته عليه ، والاسم النهية ، وفلان نهي فلان أي ينهاه . ويقال : إنه لأمور بالمعروف ونهو عن المنكر ، على فعول . قال ابن بري : كان قياسه أن يقال : نهي لأن الواو والياء إذا اجتمعتا وسبق الأول بالسكون قلبت الواو ياء ، قال : ومثل هذا في الشذوذ قولهم في جمع فتى فتو . وفلان ما له ناهية أي نهي . ابن شميل : استنهيت فلانا عن نفسه فأبى أن ينتهي عن مساءتي . واستنهيت فلانا من فلان إذا قلت له انهه عني . ويقال : ما ينهاه عنا ناهية أي ما يكفه عنا كافة . الكلابي : يقول الرجل للرجل إذا وليت ولاية فانه أي كف عن القبيح ، قال : وإنه بمعنى انته ، قاله بكسر الهاء ، وإذا وقف قال فانهه أي كف . قال أبو بكر : مررت برجل كفاك به ، ومررت برجلين كفاك بهما ، ومررت برجال كفاك بهم ، ومررت بامرأة كفاك بها ، وبامرأتين كفاك بهما ، وبنسوة كفاك بهن ، ولا تثن كفاك ولا تجمعه ولا تؤنثه ؛ لأنه فعل للباء . وفلان يركب المناهي أي يأتي ما نهي عنه . والنهية والنهاية : غاية كل شيء وآخره ، وذلك لأن آخره ينهاه عن التمادي فيرتدع ، قال أبو ذؤيب :


                                                          رميناهم ، حتى إذا اربث جمعهم     وعاد الرصيع نهية للحمائل



                                                          يقول : انهزموا حتى انقلبت سيوفهم فعاد الرصيع على حيث كانت الحمائل ، والرصيع : جمع رصيعة ، وهي سير مضفور ، ويروى الرصوع ، وهذا مثل عند الهزيمة . والنهية : حيث انتهت إليه الرصوع ، وهي سيور تضفر بين حمالة السيف وجفنه . والنهاية : كالغاية حيث ينتهي إليه الشيء ، وهو النهاء ، ممدود . يقال : بلغ نهايته . وانتهى الشيء وتناهى ونهى : بلغ نهايته ، وقول أبي ذؤيب :


                                                          ثم انتهى بصري عنهم ، قد بلغوا     بطن المخيم فقالوا الجو أو راحوا


                                                          أراد انقطع عنهم ، ولذلك عداه بعن . وحكى اللحياني عن الكسائي : إليك نهى المثل وأنهى وانتهى ونهي وأنهي ونهى ، خفيفة ، قال : ونهى خفيفة قليلة ، قال : وقال أبو جعفر : لم أسمع أحدا يقول بالتخفيف . وقوله في الحديث : قلت : يا رسول الله هل من ساعة أقرب إلى الله ؟ قال : نعم جوف الليل الآخر فصل حتى تصبح ثم أنهه حتى تطلع الشمس ، قال ابن الأثير : قوله أنهه بمعنى انته . وقد أنهى الرجل إذا انتهى فإذا أمرت قلت أنهه ، فتزيد الهاء للسكت كقوله تعالى : فبهداهم اقتده فأجرى الوصل مجرى الوقف . وفي الحديث ذكر سدرة المنتهى أي ينتهى ويبلغ بالوصول إليها ولا تتجاوز ، وهو مفتعل من النهاية الغاية . والنهاية : طرف العران الذي في أنف البعير وذلك لانتهائه . أبو سعيد : النهاية الخشبة التي تحمل عليها الأحمال ، قال : وسألت الأعراب عن الخشبة التي تدعى بالفارسية باهوا ، فقالوا : النهايتان والعاضدتان والحاملتان . والنهي والنهي : الموضع الذي له حاجز ينهى الماء أن يفيض منه ، وقيل : هو الغدير في لغة أهل نجد ؛ قال :


                                                          ظلت بنهي البردان تغتسل     تشرب منه نهلات وتعل



                                                          وأنشد ابن بري لمعن بن أوس :


                                                          تشج بي العوجاء كل تنوفة     كأن لها بوا بنهي تغاوله



                                                          والجمع أنه وأنهاء ونهي ونهاء ، قال عدي بن الرقاع :


                                                          ويأكلن ما أغنى الولي فلم يلت     كأن بحافات النهاء المزارعا



                                                          وفي الحديث : أنه أتى على نهي من ماء ، النهي بالكسر والفتح : الغدير وكل موضع يجتمع فيه الماء . ومنه حديث ابن مسعود : لو مررت على نهي نصفه ماء ونصفه دم لشربت منه وتوضأت . وتناهى الماء إذا وقف في الغدير وسكن ، قال العجاج :

                                                          حتى تناهى في صهاريج الصفا خالط من سلمى خياشيم وفا الأزهري : النهي : الغدير حيث يتحير السيل في الغدير فيوسع ، والجمع النهاء ، وبعض العرب يقول نهي ، وبعض يقول تنهية . والنهاء أيضا : أصغر محابس المطر وأصله من ذلك . والتنهاة والتنهية : حيث ينتهي الماء من الوادي ، وهي أحد الأسماء التي جاءت على تفعلة ، وإنما باب التفعلة أن يكون مصدرا ، والجمع التناهي . وتنهية الوادي : حيث ينتهي إليه الماء من حروفه . والإنهاء : الإبلاغ . وأنهيت إليه [ ص: 375 ] الخبر فانتهى وتناهى أي بلغ . وتقول : أنهيت إليه السهم أي أوصلته إليه . وأنهيت إليه الكتاب والرسالة . اللحياني : بلغت منهى فلان ومنهاته ومنهاه ومنهاته . وأنهى الشيء : أبلغه . وناقة نهية : بلغت غاية السمن ، هذا هو الأصل ثم يستعمل لكل سمين من الذكور والإناث إلا أن ذلك إنما هو في الأنعام ، أنشد ابن الأعرابي :


                                                          سولاء مسك فارض نهي     من الكباش زمر خصي



                                                          وحكي عن أعرابي أنه قال : والله للخبز أحب إلي من جزور نهية في غداة عرية . ونهية الوتد : الفرضة التي في رأسه تنهى الحبل أن ينسلخ . ونهية كل شيء : غايته . والنهى : العقل ، يكون واحدا وجمعا . وفي التنزيل العزيز : إن في ذلك لآيات لأولي النهى والنهية : العقل ، بالضم ، سميت بذلك ؛ لأنها تنهى عن القبيح ، وأنشد ابن بري للخنساء :


                                                          فتى كان ذا حلم أصيل ونهية     إذا ما الحبا من طائف الجهل حلت



                                                          ومن هنا اختار بعضهم أن يكون النهى جمع نهية ، وقد صرح اللحياني بأن النهى جمع نهية ، فأغنى عن التأويل . وفي الحديث : ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ، هي العقول والألباب . وفي حديث أبي وائل : قد علمت أن التقي ذو نهية أي ذو عقل . والنهاية والمنهاة : العقل كالنهية . ورجل منهاة : عاقل حسن الرأي ، عن أبي العميثل . وقد نهو ما شاء فهو نهي ، من قوم أنهياء : كل ذلك من العقل . وفلان ذو نهية أي ذو عقل ينتهي به عن القبائح ويدخل في المحاسن . وقال بعض أهل اللغة : ذو النهية الذي ينتهى إلى رأيه وعقله . ابن سيده : هو نهي من قوم أنهياء ، ونه من قوم نهين ، ونه على الإتباع ، كل ذلك متناهي العقل ، قال ابن جني : هو قياس النحويين في حروف الحلق ، كقولك فخذ في فخذ وصعق في صعق ، قال : وسمي العقل نهية ؛ لأنه ينتهى إلى ما أمر به ولا يعدى أمره . وفي قولهم : ناهيك بفلان معناه كافيك به ، من قولهم قد نهي الرجل من اللحم وأنهى : إذا اكتفى منه وشبع ؛ قال :


                                                          يمشون دسما حول قبته     ينهون عن أكل وعن شرب



                                                          فمعنى ينهون يشبعون ويكتفون ، وقال آخر :


                                                          لو كان ما واحدا هواك لقد     أنهى ولكن هواك مشترك



                                                          ورجل نهيك من رجل ، وناهيك من رجل ، ونهاك من رجل أي كافيك من رجل ، كله بمعنى : حسب ، وتأويله أنه بجده وغنائه ينهاك عن تطلب غيره وقال :


                                                          هو الشيخ الذي حدثت عنه     نهاك الشيخ مكرمة وفخرا



                                                          وهذه امرأة ناهيتك من امرأة ، تذكر وتؤنث وتثنى وتجمع ؛ لأنه اسم فاعل ، وإذا قلت نهيك من رجل كما تقول حسبك من رجل لم تثن ولم تجمع ؛ لأنه مصدر . وتقول في المعرفة : هذا عبد الله ناهيك من رجل فتنصبه على الحال . وجزور نهية على فعيلة أي ضخمة سمينة . ونهاء النهار : ارتفاعه قراب نصف النهار . وهم نهاء مائة ونهاء مائة أي قدر مائة كقولك زهاء مائة . والنهاء : القوارير ، قيل : لا واحد لها من لفظها ، وقيل : واحدته نهاءة ، عن كراع وقيل : هو الزجاج عامة ، حكاه ابن الأعرابي وأنشد :


                                                          ترض الحصى أخفافهن     كأنما يكسر قيض بينها ونهاء



                                                          قال : ولم يسمع إلا في هذا البيت . وقال بعضهم : النها الزجاج ، يمد ويقصر ، وهذا البيت أنشده الجوهري : ترد الحصى أخفافهن ، قال ابن بري : والذي رواه ابن الأعرابي ترض الحصى ، ورواه النهاء ، بكسر النون قال : ولم أسمع النهاء مكسور الأول إلا في هذا البيت ، قال ابن بري : وروايته نهاء ، بكسر النون ، جمع نهاة الودعة ، قال : ويروى بفتح النون أيضا جمع نهاة ، جمع الجنس ومده لضرورة الشعر . قال : وقال القالي النهاء ، بضم أوله : الزجاج ، وأنشد البيت المتقدم ، قال : وهو لعتي بن مالك وقبله :


                                                          ذرعن بنا عرض الفلاة وما     لنا عليهن إلا وخدهن سقاء



                                                          والنهاء : حجر أبيض أرخى من الرخام يكون بالبادية ويجاء به من البحر ، واحدته نهاءة . والنهاء : دواء يكون بالبادية يتعالجون به ويشربونه . والنهى : ضرب من الخرز ، واحدته نهاة . والنهاة أيضا : الودعة ، وجمعها نهى ، قال : وبعضهم : يقول النهاء ممدود . ونهاء الماء بالضم : ارتفاعه . ونهاة : فرس لاحق بن جرير . وطلب حاجة حتى أنهى عنها ونهي عنها ، بالكسر ، أي تركها ظفر بها أو لم يظفر . وحوله من الأصوات نهية أي شغل . وذهبت تميم فما تسهى ولا تنهى أي لا تذكر . قال ابن سيده : ونهيا اسم ماء ، عن ابن جني : قال : وقال لي أبو الوفاء الأعرابي نهيا ، وإنما حركها لمكان حرف الحلق ، قال : لأنه أنشدني بيتا من الطويل لا يتزن إلا بنهيا ساكنة الهاء ، أذكر منه : إلى أهل نهيا ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية