الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فإن يصبروا [ ص: 1569 ] فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين

                                                                                                                                                                                                                                        يخبر تعالى عن أعدائه، الذين بارزوه بالكفر به وبآياته، وتكذيب رسله ومعاداتهم ومحاربتهم، وحالهم الشنيعة حين يحشرون، أي: يجمعون. إلى النار فهم يوزعون أي : يرد أولهم على آخرهم، ويتبع آخرهم أولهم، ويساقون إليها سوقا عنيفا، لا يستطيعون امتناعا، ولا ينصرون أنفسهم، ولا هم ينصرون.

                                                                                                                                                                                                                                        حتى إذا ما جاءوها أي: حتى إذا وردوا على النار، وأرادوا الإنكار، أو أنكروا ما عملوه من المعاصي، شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم عموم بعد خصوص. بما كانوا يعملون أي: شهد عليهم كل عضو من أعضائهم، فكل عضو يقول: أنا فعلت كذا وكذا، يوم كذا وكذا. وخص هذه الأعضاء الثلاثة، لأن أكثر الذنوب، إنما تقع بها، أو بسببها.

                                                                                                                                                                                                                                        فإذا شهدت عليهم عاتبوها، وقالوا لجلودهم هذا دليل على أن الشهادة تقع من كل عضو كما ذكرنا: لم شهدتم علينا ونحن ندافع عنكن؟ قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء فليس في إمكاننا، الامتناع عن الشهادة حين أنطقنا الذي لا يستعصي عن مشيئته أحد.

                                                                                                                                                                                                                                        وهو خلقكم أول مرة فكما خلقكم بذواتكم، وأجسامكم، خلق أيضا صفاتكم، ومن ذلك، الإنطاق. وإليه ترجعون في الآخرة، فيجزيكم بما عملتم، ويحتمل أن المراد بذلك، الاستدلال على البعث بالخلق الأول، كما هو طريقة القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                        وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم أي: وما كنتم تختفون عن شهادة أعضائكم عليكم، ولا تحاذرون من ذلك. ولكن ظننتم بإقدامكم على المعاصي أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون فلذلك صدر منكم ما صدر، وهذا الظن، صار سبب هلاكهم وشقائهم ولهذا قال: وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم الظن السيئ، حيث ظننتم به، ما لا يليق بجلاله. أرداكم أي: أهلككم فأصبحتم من الخاسرين لأنفسهم وأهليهم وأديانهم بسبب الأعمال التي أوجبها لكم ظنكم القبيح بربكم، فحقت عليكم كلمة العقاب [ ص: 1570 ] والشقاء، ووجب عليكم الخلود الدائم، في العذاب، الذي لا يفتر عنهم ساعة.

                                                                                                                                                                                                                                        فإن يصبروا فالنار مثوى لهم فلا جلد عليها، ولا صبر، وكل حالة قدر إمكان الصبر عليها، فالنار لا يمكن الصبر عليها، وكيف الصبر على نار، قد اشتد حرها، وزادت على نار الدنيا، بسبعين ضعفا، وعظم غليان حميمها، وزاد نتن صديدها، وتضاعف برد زمهريرها وعظمت سلاسلها وأغلالها، وكبرت مقامعها، وغلظ خزانها، وزال ما في قلوبهم من رحمتهم، وختام ذلك سخط الجبار، وقوله لهم حين يدعونه ويستغيثون: اخسئوا فيها ولا تكلمون

                                                                                                                                                                                                                                        وإن يستعتبوا أي: يطلبوا أن يزال عنهم العتب، ويرجعوا إلى الدنيا، ليستأنفوا العمل. فما هم من المعتبين لأنه ذهب وقته، وعمروا، ما يعمر فيه من تذكر وجاءهم النذير وانقطعت حجتهم، مع أن استعتابهم، كذب منهم ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية