الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                17719 ( أخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ ، أنبأ أبو جعفر : محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي ، ثنا أبو علاثة : محمد بن عمرو بن خالد ، ثنا أبي عمرو بن خالد ، ثنا ابن لهيعة ، ثنا أبو الأسود ، عن عروة بن الزبير ، ( ح وأخبرنا ) أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد ، أنبأ أبو بكر بن عتاب ، ثنا القاسم الجوهري ، ثنا ابن أبي أويس ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ، عن عمه موسى بن عقبة . وهذا لفظ حديث موسى ، وحديث عروة بمعناه قال : ثم إن بني نفاثة من بني الديل ، أغاروا على بني كعب وهم في المدة التي بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش ، وكانوا بنو كعب في صلح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان بنو نفاثة في صلح قريش ، فأعانت بنو بكر بني نفاثة ، وأعانتهم قريش بالسلاح والرقيق . فذكر القصة ، قال : فخرج ركب من بني كعب حتى أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له الذي أصابهم وما كان من قريش عليهم في ذلك . ثم ذكر قصة خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ، وقصة العباس ، وأبي سفيان حين أتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران ومعه حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء ، قال : فقال أبو سفيان وحكيم : يا رسول الله ، ادع الناس إلى الأمان ، أرأيت إن اعتزلت قريش فكفت أيديها آمنون هم ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " نعم من كف يده وأغلق داره فهو آمن " . قالوا : فابعثنا نؤذن بذلك فيهم . قال : " انطلقوا فمن دخل دارك يا أبا سفيان ، ودارك يا حكيم ، وكف يده ؛ فهو آمن " . ودار أبي سفيان بأعلى مكة ، ودار حكيم بأسفل مكة ، فلما توجها ذاهبين قال العباس : يا رسول الله ، إني لا آمن أبا سفيان أن يرجع عن إسلامه . رده حتى يقف ويرى جنود الله معك " . فأدركه عباس فحبسه ، فقال أبو سفيان : أغدرا يا بني هاشم ؟ فقال العباس : ستعلم أنا لسنا نغدر ، ولكن لي إليك حاجة فأصبح حتى تنظر جنود الله ، ثم ذكر قصة إيقاف أبي سفيان حتى مرت به الجنود . قال : وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزبير بن العوام - رضي الله عنه - على المهاجرين وخيلهم ، وأمره أن يدخل من كداء من أعلى مكة ، وأعطاه رايته وأمره أن يغرزها بالحجون ، ولا يبرح حيث أمره أن يغرزها حتى يأتيه ، وبعث خالد بن الوليد فيمن كان أسلم من قضاعة وبني سليم ، وناسا أسلموا قبل ذلك ، وأمره أن يدخل من أسفل مكة ، وأمره أن يغرز رايته عند أدنى البيوت بأسفل مكة ، وبأسفل مكة بنو بكر ، وبنو الحارث بن عبد مناة ، وهذيل ، ومن كان معهم من الأحابيش قد استنصرت بهم قريش [ ص: 121 ] فأمرهم أن يكونوا بأسفل مكة ، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكفوا أيديهم ، فلا يقاتلوا أحدا إلا من قاتلهم ، وأمرهم بقتل أربعة نفر منهم : عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، والحارث بن نقيذ ، وابن خطل ، ومقيس بن صبابة . وأمر بقتل قينتين لابن خطل كانتا تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمرت الكتائب تتلو بعضها بعضا على أبي سفيان ، وحكيم ، وبديل ، لا يمر عليهم كتيبة إلا سألوا عنها حتى مرت عليهم كتيبة الأنصار فيها سعد بن عبادة ، فنادى سعد أبا سفيان : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الحرمة ، فلما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي سفيان في المهاجرين قال : يا رسول الله ، أمرت بقومك أن يقتلوا ، فإن سعد بن عبادة ، ومن معه حين مروا بي ناداني سعد ، فقال : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الحرمة ، وإني أناشدك الله في قومك . فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد بن عبادة فعزله ، وجعل الزبير بن العوام مكانه على الأنصار مع المهاجرين ، فسار الزبير بالناس حتى وقف بالحجون ، وغرز بها راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واندفع خالد بن الوليد حتى دخل من أسفل مكة ، فلقيه بنو بكر ، فقاتلوه فهزموا ، وقتل من بني بكر قريب من عشرين رجلا ، ومن هذيل ثلاثة ، أو أربعة ، وانهزموا ، وقتلوا بالحزورة حتى بلغ قتلهم باب المسجد ، وفر فضضهم حتى دخلوا الدور ، وارتقت طائفة منهم على الجبال ، واتبعهم المسلمون بالسيوف ، ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المهاجرين الأولين في أخريات الناس ، وصاح أبو سفيان حين دخل مكة : من أغلق داره وكف يده فهو آمن . فقالت له هند بنت عتبة وهي امرأته : قبحك الله من طليعة قوم ، وقبح عشيرتك معك ، وأخذت بلحية أبي سفيان ونادت : يا آل غالب ، اقتلوا الشيخ الأحمق ، هلا قاتلتم ، ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم ؟ . فقال لها أبو سفيان : ويحك اسكتي ، وادخلي بيتك ، فإنه جاءنا بالحق ، ولما علا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثنية كداء نظر إلى البارقة على الجبل مع فضض المشركين فقال : " ما هذا وقد نهيت عن القتال ؟ " . فقال المهاجرون : نظن أن خالدا قوتل ، وبدئ بالقتال ؛ فلم يكن له بد من أن يقاتل من قاتله ، وما كان يا رسول الله ليعصيك ، ولا ليخالف أمرك ، فهبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الثنية فأجاز على الحجون ، واندفع الزبير بن العوام حتى وقف بباب الكعبة ، وذكر القصة قال فيها : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالد بن الوليد : " لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال ؟ " . فقال : هم بدءونا بالقتال ، ووضعوا فينا السلاح ، وأشعرونا بالنبل ، وقد كففت يدي ما استطعت . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " قضاء الله - عز وجل - خير " .

                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                الخدمات العلمية