الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                18260 ( أخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ ، وأبو بكر القاضي قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا أحمد بن عبد الجبار ، ثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدثني الزهري ، عن عروة ، عن مروان ، والمسور بن مخرمة في قصة الحديبية ، وخروج سهيل بن عمرو إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه لما انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرى بينهما القول حتى وقع الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين ، وأن يأمن الناس بعضهم من بعض ، وأن يرجع عنهم عامهم ذلك حتى إذا كان العام المقبل قدمها خلوا بينه وبين مكة ، فأقام بها ثلاثا ، وأنه لا يدخلها إلا بسلاح الراكب والسيوف في القرب ، وأنه من أتانا من أصحابك بغير إذن وليه لم نرده عليك ، وأنه من أتاك منا بغير إذن وليه رددته علينا . وذكر الحديث في كتبة الصحيفة قال : فإن الصحيفة لتكتب إذ طلع أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد ، وقد كان أبوه حبسه ، فأفلت ، فلما رآه سهيل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بلبته فتله ، وقال : يا محمد ، قد ولجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا . قال : " صدقت " . وصاح أبو جندل بأعلى صوته : يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي جندل : " أبا جندل ، اصبر ، واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ، إنا قد صالحنا هؤلاء القوم وجرى بيننا وبينهم العهد ، وإنا لا نغدر " . فقام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يمشي إلى جنب أبي جندل ، وأبوه يتله وهو يقول : أبا جندل ، اصبر ، واحتسب ، فإنما هم المشركون ، وإنما دم أحدهم دم كلب ، وجعل عمر - رضي الله عنه - يدني منه قائم السيف ، فقال عمر - رضي الله عنه - رجوت أن يأخذه فيضرب به أباه فضن بأبيه . ثم ذكر الحديث في التحلل من العمرة ، والرجوع قالا : ولما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة واطمأن بها أفلت إليه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي حليف بني زهرة ، فكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه الأخنس بن شريق ، والأزهر بن عبد عوف ، وبعثا بكتابهما مع مولى لهما ، ورجل من بني عامر بن لؤي استأجراه ليرد عليهما صاحبهما أبا بصير ، فقدما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعا إليه كتابهما ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بصير فقال له : " يا أبا بصير ، إن هؤلاء القوم قد صالحونا على ما قد علمت ، وإنا لا نغدر ، فالحق بقومك " . فقال : يا رسول الله ، تردني إلى المشركين يفتنوني في ديني ويعبثون بي ؟ ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " اصبر يا أبا بصير ، واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين من المؤمنين فرجا ومخرجا " . قال فخرج أبو بصير وخرجا حتى إذا كانوا بذي الحليفة جلسوا إلى سور جدار ، فقال أبو بصير للعامري : أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر ؟ قال : نعم . قال : أنظر إليه ؟ قال : إن شئت . فاستله فضرب به عنقه ، وخرج المولى يشتد ، فطلع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد ، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " هذا رجل قد رأى فزعا " . فلما انتهى إليه قال : ويحك ما لك ؟ " . قال : قتل صاحبكم صاحبي ، فما برح حتى طلع أبو بصير متوشحا السيف ، فوقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله وفت ذمتك ، وأدى الله عنك ، وقد امتنعت بنفسي عن المشركين أن يفتنوني في ديني ، أو أن يعبثوا بي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " ويل أمه ! محش حرب لو كان معه رجال " . فخرج أبو بصير حتى نزل بالعيص ، وكان طريق أهل مكة إلى الشام ، فسمع به من كان بمكة من المسلمين وبما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه فلحقوا به حتى كان في عصبة من المسلمين قريب من الستين أو السبعين ، فكانوا لا يظفرون برجل من قريش إلا قتلوه ، ولا تمر عليهم عير إلا اقتطعوها ، حتى كتبت فيها قريش إلى رسول الله - صلى الله [ ص: 228 ] عليه وسلم - يسألونه بأرحامهم لما آواهم فلا حاجة لنا بهم . ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدموا عليه المدينة .

                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                الخدمات العلمية