ومنها أن يكون مستقصيا عن السلاطين فلا يدخل عليهم ألبتة ما دام يجد إلى الفرار عنهم سبيلا بل ينبغي أن يحترز عن مخالطتهم وإن جاءوا إليه فإن وزمامها بأيدي السلاطين . الدنيا حلوة خضرة
والمخالط لا يخلو عن تكلف في طيب مرضاتهم واستمالة قلوبهم مع أنهم ظلمة .
ويجب على كل متدين الإنكار عليهم وتضييق صدرهم بإظهار ظلمهم وتقبيح فعلهم فالداخل عليهم إما أن يلتفت إلى تجملهم فيزدري نعمة الله عليه أو يسكت عن الإنكار عليهم فيكون مداهنا لهم أو يتكلف في كلامه كلاما لمرضاتهم وتحسين حالهم وذلك هو البهت الصريح أو أن يطمع في أن ينال من دنياهم وذلك هو السحت وسيأتي في كتاب الحلال والحرام ما يجوز أن يؤخذ من أموال السلاطين ، وما لا يجوز من الإدرار والجوائز وغيرها .
وعلى الجملة فمخالطتهم مفتاح للشرور طريقهم الاحتياط . وعلماء الآخرة
وقال صلى الله عليه وسلم من بدا جفا يعني : من سكن البادية ، جفا ، ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن وقال سفيان في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزائرون للملوك . وقال صلى الله عليه وسلم سيكون : عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون فمن أنكر فقد برئ ، ومن كره فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع أبعده الله تعالى ، قيل : أفلا نقاتلهم قال صلى الله عليه وسلم : لا ، ما صلوا
وقال حذيفة إياك ومواقف الفتن قيل : وما هي قال : أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ، ويقول فيه ما ليس فيه .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العلماء أمناء الرسل على عباد الله تعالى " ما لم يخالطوا السلاطين فإذا فعلوا ذلك ، فقد خانوا الرسل فاحذروهم واعتزلوهم رواه أنس .
وقيل للأعمش ولقد أحييت العلم لكثرة من يأخذه عنك فقال : لا تعجلوا ثلث يموتون قبل الإدراك وثلث يلزمون أبواب السلاطين ، فهم شر الخلق ، والثلث الباقي : لا يفلح منه إلا القليل ولذلك قال إذا رأيتم سعيد بن المسيب رحمه الله فاحترزوا منه فإنه لص . العالم يغشى الأمراء
وقال الأوزاعي : ما من شيء أبغض إلى الله تعالى من عالم يزور عاملا .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وقال مكحول الدمشقي رحمه الله من تعلم القرآن وتفقه في الدين ثم صحب السلطان تملقا إليه وطمعا فيما لديه خاض في بحر من نار جهنم بعدد خطاه . شرار العلماء الذين يأتون الأمراء ، وخيار الأمراء الذين يأتون العلماء
وقال سمنون: ما أسمج بالعالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد فيسأل عنه فيقال هو عند الأمير ، قال : وكنت أسمع أنه يقال : إذا رأيتم فاتهموه على دينكم حتى جربت ذلك إذ ما دخلت قط على هذا السلطان إلا وحاسبت نفسي بعد الخروج فأرى عليها الدرك وأنتم ترون ما ألقاه به من الغلظة والفظاظة وكثرة المخالفة لهواه ولوددت أن أنجو من الدخول عليه كفافا مع أني لا آخذ منه شيئا ولا أشرب له شربة ماء ثم قال : وعلماء زماننا شر من علماء العالم يحب الدنيا بني إسرائيل يخبرون السلطان بالرخص وبما يوافق هواه ولو أخبروه بالذي عليه وفيه نجاته ستثقلهم وكره دخولهم عليه ، وكان ذلك نجاة لهم عند ربهم .