الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[حدوث زلزلة ارتجت لها الأرض ست مرات . ]

وفي ليلة الجمعة لأربع بقين من ربيع الآخر ، وقت طلوع الفجر: حدثت زلزلة ارتجت لها الأرض ست مرات .

وفي جمادى الآخرة: لقي أبو سعد بن أبي عمامة مغنية قد خرجت من عند تركي بنهر طابق ، فقبض على عودها وقطع أوتاره ، فعادت إلى التركي فأخبرته ، فبعث التركي [ ص: 139 ] إليه من كبس داره ، وأفلت ، وعبر إلى الحريم إلى ابن أبي موسى الهاشمي شاكيا ما لقي .

واجتمع الحنابلة في جامع القصر من الغد فأقاموا فيه مستغيثين ، وأدخلوا معهم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي وأصحابه ، وطلبوا قلع المواخير وتتبع المفسدات ، ومن يبيع النبيذ ، وضرب دراهم تقع المعاملة بها عوض القراضة ، فتقدم أمير المؤمنين بذلك ، فهرب المفسدات ، وكبست الدور ، وارتفعت الأنبذة ، ووعد بقلع المواخير ومكاتبة عضد الدولة برفعها ، والتقدم بضرب دراهم يتعامل بها ، فلم يقتنع أقوام منهم بالوعد ، وأظهر أبو إسحاق الخروج من البلد فروسل برسالة سكتته .

وحكى أبو المعالي صالح بن شافع عمن حدثه أن الشريف أبا جعفر رأى محمد بن الوكيل حين غرقت بغداد في سنة ست وستين ، وجرى على دار الخلافة العجائب ، وقد جاء ببعض الجهات إلى الترب بالرصافة أو غيرها من تلك الأماكن ، وهم على غاية التخبيط ، فقال له الشريف: يا محمد يا محمد ، قال: لبيك يا سيدنا . قال . كتبنا وكتبتم ، وجاء جوابنا قبل جوابكم ، يشير إلى قوله "سأكتب في رفع المواخير" ويريد بالجواب الغرق وما فيه .

وفي هذا الوقت غلت الأسعار ، وتعذر اللحم ، ووقع الموتان في الحيوان ، حتى إن راعيا في بعض طريق خراسان قام عند الصباح إلى غنمه ليسوقها فوجدها موتى .

ووقع سيل عظيم ، وبرد كثير في طريق خراسان ، وكان في المكان المسمى بباغ ثلاثة آلاف وخمسمائة جريب حنطة وشعيرا ، فبرد ونسفته الريح فلم يشاهد له أثر ، وانقلع شجر التوت العظيم من أصله ، وإحدى عشرة نخلة ، وقام في ساقية من البرد إلى فخذ الإنسان ، وأحضر قوم من قردلي بندقا من الطين قد وقع مع البرد كبيضة العصفور طيب الرائحة .

[ ص: 140 ]

وفي هذه الأيام كان ابن محسن الوكيل قد توكل على صاحب الظفر الخادم في معنى دار ، فحضر ظفر عند الوزير فخر الدولة ، وخاصم ابن محسن ، واستخف به ، حتى قال: هذا يأخذ أموال الناس ويبيع الشريعة بالثمن الخسيس ، ويحكم القضاة بما لا يحل ، ويشهد الشهود بما لا يجوز . وكان قاضي القضاة حاضرا فغالطه ، وأظهر أنه لم يسمع ، فأعان الوزير ابن محسن ، فنهض ظفر مغضبا وقال لأصحابه: أين رأيتم ابن محسن فاقتلوه . فركب قاضي القضاة للقاء صافي الخادم ، وقد قدم من عند السلطان ، فخرج معه ابن محسن ، فضربه أصحاب ظفر ، ووقعت مقرعة في قاضي القضاة فامتعض ونزل عن البغلة ، ومشى من الحلبة إلى شاطئ دجلة على ثقل بدنه ، وعبر إلى داره ، وراسله الوزير أن يعود إلى الديوان فأبى ، وكان ذلك بمرأى من الخليفة؛ لأنه كان في المنظرة ، فتقدم إلى الوزير بصرف ظفر من الدار ، والختم على داره واصطبلاته وما يتعلق به ، ونقض الدار التي جرى عليها الخصام ، وضرب الغلام الذي ضرب ابن محسن على باب النوبي مائة سوط ، وركب أحد الغلمان الخواص إلى قاضي القضاة فاعتذر إليه مما جرى .

وعقد للأمير عدة الدين على ابنة السلطان من خاتون السفرية ، وكان العقد في دار المملكة بنيسابور ، وضربت الدبادب والبوقات ، وامتلأت الدار بالفيلة المزينة ، والخيل المجفجفة ، وجلس السلطان ألب أرسلان على سرير الملك ، ونظام الملك قائم بين يديه ، وخطب الشطبي ، ووكل السلطان نظام الملك ، وكان وكيل عدة الدين عميد الدولة أبو نصر بن جهير ، فعقد العقد ، ووقع النثار .

التالي السابق


الخدمات العلمية