الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              آراء بعض العلماء في أبي حنيفة

              كان شعبة بن الحجاج أميرا للمؤمنين في الحديث [1] ، وأبو حنيفة من أهل الرأي بالمكانة التي عرفنا، ورغم تباين منهجيهما فقد كان شعبة كثير التقدير لأبي حنيفة، تجمع بينهما مودة ومراسلة، وكان يوثق أبا حنيفة، ويطلب إليه أن يحدث، ولما بلغه نبأ موته قال: لقد ذهب معه فقه الكوفة تفضل الله عليه وعلينا برحمته [2] .

              وسأل رجل يحيى بن سعيد القطان عن أبي حنيفة فقال: ما يتزين عند الله بغير ما يعلمه الله عز وجل ، فإنا - والله - إذا استحسنا من قوله الشيء أخذنا به.

              وهكذا لم يكن الاختلاف وتباين الآراء يمنع أحدا من الأخذ بما يراه حسنا عند صاحبه، وذكر فضله في هـذا ونسبة قوله إليه.

              وعن عبد الله بن المبارك روايات كثيرة في الثناء على أبي حنيفة: فقد كان يذكر عنه كل خير، ويزكيه، ويأخذ من قوله، ويثني عليه، ولا يسمح لأحد أن ينال منه في مسجده، وحاول بعض جلسائه يوما أن [ ص: 130 ] يغمز أبا حنيفة فقال له: اسكت، والله لو رأيت أبا حنيفة لرأيت عقلا ونبلا.

              ونقل عن الشافعي أنه قال: سئل مالك يوما عن عثمان البتي، فقال: كان رجلا مقاربا، وسئل عن ابن أبي شبرمة فقال: كان رجلا مقاربا، قيل: فأبو حنيفة: قال: لو جاء إلى أساطينكم هـذه (يعني سواري المسجد ) فقايسكم على أنها خشب، لظننتم أنها خشب. [3]

              إشارة إلى براعته في القياس، أما الإمام الشافعي فما أكثر ما روي عنه قوله: ... الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة. [4] .

              ولم تكن مجالس هـؤلاء الرجال ليذكر فيها إلا الخير، ومن حاول تجاوز الآداب التي تجب مراعاتها مع أئمة هـذه الأئمة هـذه الأمة رد إلى الصواب، وحيل بينه وبين مس أحد بما يكره، فقد سئل الفضل بن موسى السيناني [5]

              : ما تقول في هـؤلاء الذين يقعون في أبي حنيفة؟ قال: إن أبا حنيفة جاءهم بما يعقلونه وبما لا يعقلونه من العلم، ولم يترك لهم شيئا فحسدوه. [6]

              هذه بعض الأقوال التي نقلت عي أئمة في الحديث كانوا مخالفين [ ص: 131 ] للإمام أبي حنيفة في معظم ما ذهب إليه، ولكن مخالفتهم له لم تمنعهم من الإشادة به، والثناء عليه، وذكره بما هـو أهل له من الخير، ذلك لثقتهم بأن الخلاف بينهم وبينه لم يك وليد الهوى، ولا الرغبة في الاستعلاء، بل كان نشدان الحق ضالة الجميع رحمهم الله، ولولا هـذه الأخلاق الكريمة والآداب الفاضلة لاندثر فقه الكثير من علماء سلفنا الصالح، وما كانوا يذبون عن أحد إلا لعلمهم أن في ذلك صونا لفقه هـذه الأمة التي لا تستقيم حياتها إلا لعلمهم أن في ذلك صونا لفقه هـذه الأمة التي لا تستقيم حياتها إلا في ظله.

              التالي السابق


              الخدمات العلمية