الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              الفصل السادس

              الخلاف بعد القرون الخيرة وآدابه

              في القرن الرابع

              منذ القرن الرابع الهجري انتهى الاجتهاد، وغربت شمسه، وغدا التقليد شائعا، فالكتب والمدونات محدثة، والقول بمقالات الناس والفتيا على مذهب الواحد من المجتهدين، واتخاذ قوله، والحكاية عنه، والتفقه على مذهبه لم يكن شيء من ذلك موجودا في القرنين الأول والثاني [1] .

              وأما القرن الثالث فقد كان الاجتهاد ولا يزال هـو الشائع فيه، وربما عمد بعض العلماء إلى التخريج على قواعد وأصول من سبقهم من أهل العلم ولكن دون تقليدهم والتشبث بأقوالهم.

              وأما أهل المائة الرابعة، فقد كان فيهم العلماء والعامة، فأما العامة [ ص: 137 ] من الناس فقد كانوا يتلقون من أهل العلم ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسائل التي لا خلاف فيها من جمهور المجتهدين، كمسائل الطهارة والصلاة والصيام والزكاة ونحوها، فيعملون بحسب ما روي لهم فيها، وإذا وقعت لهم أمور فيها من الدقة ما يحتاجون معه إلى الاستفتاء، استفتوا أهل العلم في ذلك دونما نظر إلى المذهب الذي يتمذهب به ذلك العالم.

              وأما خاصة الناس وأهل العلم منهم، فقد كانوا يشتغلون بالحديث، ويتلقون من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثار أصحابه ما لا يحتاجون معه إلى شيء آخر في المسألة من حديث مستفيض أو أقوال متظاهرة لجمهور الصحابة والتابعين، فإن لم يجد أحدهم في المسألة ما يطمئن إليه قلبه لتعارض النقل وعدم وضوح الترجيح ونحو ذلك رجع إلى كلام من سبقه من الفقهاء، فإن وجد قولين اختار أوثقهما سواء كان من أهل المدينة أو الكوفة.

              وكان أهل التخريج منهم يخرجون فيما لا يجدونه مصرحا به ويجتهدون في المذاهب، وينسبون إلى المذهب الذي يخرجون عليه، فيقال: فلان شافعي وفلان حنفي، دون أن يكون هـنالك التزام بالمذهب كما صارت إليه الحال فيما بعد. وأصحاب الحديث منهم ينسبون إلى المذاهب لشيوع التوافق، فالنسائي أو البيهقي أو الخطابي كانوا ينسبون إلى الشافعي مثلا، وكان لا يتولى القضاء إلا مجتهد، ولا يسمى العالم فقيها إلا إذا كان مجتهدا. [ ص: 138 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية