الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثالثا: أدبيات القراءة

القراءة نوعان: جهرية وصامتة.

فأما الجهرية: فهي القراءة بصوت مسموع من أجل إفهام السامع النص المقروء، كالقراءة الجهرية في الغرفة الصفية، والقراءة الإذاعية. وهي إحدى مهارات الاتصال المهمة. وللقراءة الجهرية أدبيات نجملها في ما يأتي:

1- هـيئة القارئ

ينبغي للقارئ أن يتخذ الهيئة المناسـبة للقراءة، إن كان جالسا أو كان واقفا. وسنلاحظ أن القارئ جهرا يمتاز بخصائص المتكلم البارع. فيحسن به:

- أن يضـع المادة التي سيقرؤها، كتابا كانت أم ورقة، على مسافة مناسبة من عينيه؛ بحيث يكون النص واضحا، ومن المناسب أن يكون القارئ راجع النص قبل القراءة أو ضبط كلماته بالشكل حيث يلزم ذلك.

فالاستعداد للقراءة أمر احتياطي لائق، ومن أولويـات الاسـتعداد أن يكون الضوء في المكان مناسـبا، والمقعـد مريحا، والعقل صافيا. [ ص: 120 ]

- أن يثق بنفسه ويهيئها للقراءة الناجحة، ويشعر أنه سيقرأ النص قراءة تفهم الآخرين وتعجبهم، ولذلك حري به أن ينأى عن الخجل والقلق، ومن المناسب في هـذا أن يسيطر على حركة يديه ورجليه، وأن تكون جلسته أو وقفته معتدلة هـادئة، وأن لا يكثر من التلفت حوله حتى لا يتشتت ذهنه، فيفقد سيطرته على النص.

2- إدارة النص المقروء جهريا

يعتمد نجاح القراءة على نباهة القارئ في مراعاة أصول القراءة والإلقاء والإنشاد وفن الخطابة، فعليه :

- أن يكون صوته مسموعا بوضوح، سواء أكانت القراءة بوساطة لاقط أم بغيره.

- أن يحرص على إخـراج الحـروف من مخـارجها بحيـث لا يتداخل بعضها ببعض، ليكون النطق سليما، فينبغي والحالة هـذه أن يكون جهازه التنفـسي مطمئنا، وحـركة شفـتيه مناسـبة دون مبالغـة في المط أو الجـذب، أو تكرار بلـع الريق بصـورة مثيرة للانتباه. [ ص: 121 ]

- أن يراعي سلامة الإعراب؛ إذ إن الأخطاء النحوية والصرفية في أثناء القراءة من أكثر عيوب القراءة تأثيرا سلبيا في نفوس السامعين مهما بلغت أهمية المـادة المقروءة؛ فالأخـطاء النحوية والصرفـية تغير المعاني أو تحيلها إلى اللـبس والغموض. وقارئ ناطق بالعربية دون الاجتهاد في تحسين ثقافته اللغوية قارئ لا يحترم ذاته، ولا يكون في الوقت نفسه موضع احترام الآخرين.

- أن ينوع النبر، مدا وتقصيرا وإبطاء وإسراعا وتلوينا، وفق المواقف الوجدانية في النص، محاولا تمثيل المعنى ما استطاع.

- أن يحرص على السرعة المناسبة في القراءة، فيتوقف توقفا قصيرا عند الفاصلة وتوقفا أطول عند النقطة، وتوقفا مناسبا عند نهاية الفقرة، فالقراءة المتتابعة بإسراع لا يلتزم بعلامات الوقف يجعل القراءة غير واضحة، وقاصرة عن التوصيل وتحقيق الهدف منها.

- أن يفيد من عناصر الخطابة الناجحة إن كان خطيبا، فيحرص على التنويع في أساليب الإقناع والتأثير، وتحصين النص بالأقوال المأثورة وشعر الحكمة أو بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والمقولات والمواقف، التي من شأنـها تعزيز فكرته ورأيه. وإذا كان [ ص: 122 ] مقدم فقرات في احتفال فيحسـن به أن يختار من عباراته ما يستميل الجمهور ويحفـزهم على المتابعة وحسن التلقي، فلا يطـيل حـديثه، ولا يتعالى عن المسـتمعين، ولا يأتي بما يعكر نفوسهم ويخدش أذواقهم.

وأما القراءة الصامتة: فهي القراءة دون إسماع الآخرين، تتم بين الشخص ونفسه، سواء أكانت في البيت أم في مكان عام كالغرفة الصفية أو المكتبة العامة، وليس لها صـلة فورية مـع الآخرين كالقراءة الجهرية، لذا فإن دورها في الاتصال قليل، عدا القراءة الصامتة التي سيكون بعدها مناقشة وأسئلة وحوار، فإنها تتطلب أداء قرائيا سريعا ومنظما.

تتنوع طبيعة القراءة الصامتة بتنوع أهدافها، فإن كانت تعلمية صفية، فيحسن بالقارئ أن يراعي الوقت المعطى له، ويتقن تنظيم الأفكار واستيعابها بإيجاز غير مخل. وإن كانت شخصيـة من أجل التحصيل المعرفي وتنمية الثقافة، فالقارئ معني باختيار ما يقرأ، ومن المناسب أن يختار الوقت المحدد للقراءة بما يتلاءم وصفاء ذهنه وحسن استقباله وتفهمه، وأن يقرأ في مـكان هـادئ ذي إنارة كافية، وأن تكون جلسته صحية. وكلما كان انتباه القارئ مركزا وتأمليا [ ص: 123 ] تضاعفت الفائدة وزاد التحصيل، وخاصة إذا رتب الأفكار المقروءة وراجعها أولا بأول ولخصها كذلك.

على أن للقراء طبائع وعادات في القراءة تخـتلف من شخص لآخر؛ إذ يظل الأمر شخصيا ينطوي على حرية فردية في اتخاذ هـيئة القراءة المناسبة، ولهم أيضا مقاصـد متباينة من القراءة، فثمـة قارئ يبحث في ما يقرأ عن عبارة أو نص أو صفحات معينة ليقرأ ما يريد حسـب، وقارئ يقرأ ما تقـع عليه عيناه من أجـل قطع الوقت أو من أجل التسـلية دون هـدف محدد من القراءة، وثالث يجتهد في فهم ما يقرأ لكن مـلكة القراءة عنده ضعـيفة، فما أن تنقضي ساعات أو أيام حتى يجد نفسه وقد نسي أغلب ما قرأ، فضاع جهده ووقته سدى.

وقارئ رابع أسميه القارئ المبدع، وهو صاحب الملكة المدربـة على القراءة، يقرأ، ويتأمل، ويحلل، ويئول، وينقد، وربما اتخذ موقفا ما مما يقرأ، فقد يوافق على آراء الكاتب وقد يخالفها ويدحضها ويناقشها وقد يضيف إليها، فهو إذا قارئ مثقف متميز، وتلك مرتبة مرموقة لا تتأتى إلا لمن يوطن نفسه على عادة القراءة المنظمة والهادفة والمنوعة والمتخصصة. [ ص: 124 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية