الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                              وقد اختلف العلماء فيه قديما وحديثا والمنصوص عن الإمام أحمد : أن أرواح المؤمنين في الجنة، ذكر ذلك الخلال في كتاب "السنة" عن غير واحد عن حنبل ، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: أرواح الكفار في النار، وأرواح [ ص: 240 ] المؤمنين في الجنة، وقال حنبل في موضع آخر: قال: عموم أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكفار في النار، والأبدان في الدنيا يعذب الله من يشاء . ويرحم من يشاء بعفوه .

                                                                                                                                                                                              قال أبو عبد الله : ولا نقول إنهما يفنيان، بل هما على علم الله باقيتان . يبلغ الله فيهما عمله، نسأل الله التثبيت وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا .

                                                                                                                                                                                              وقوله: ولا نقول: هما يفنيان، يعني الجنة والنار، فإن في أول الكلام عن حنبل ، أن أبا عبد الله حكى قصة ضرار، وحكايته اختلاف العلماء في خلق الجنة والنار، وأن القاضي الجمعي أهدر دم ضرار، فلذلك استخفى إلى أن مات . وأن أبا عبد الله ، قال: هذا كفر، يعني القول بأنهما لم يخلقا بعد . قال حنبل : وسألت أبا عبد الله ، عمن قال: إن كانتا خلقتا فإنهما إلى فناء، ثم ذكر هذا الجواب عن أحمد . ولا يصح أن يقال: إن أحمد إنما نفى الفناء عنهما معا، فيصدق ذلك بأن تكون الجنة وحدها لا تفنى لأن ما بعد هذا مبطل لهذا التأويل، وهو قوله: بل هما على علم الله باقيتان . فإن هذا ينفي ذلك الاحتمال والتوهم، ويثبت لهما البقاء معا، وهذا كما تقول: زيد وعمرو لا يعلمان، فهذا قد يحتمل أن يراد به نفي العلم عنهما جميعا دون أحدهما، فإذا قلت بعد ذلك: بل هما جاهلان، زال ذلك الاحتمال، وأثبت الجهل لهما جميعا، وأيضا فلا يقع استعمال نفي عن شيئين والمراد نفي اجتماعهما خاصة، إلا مع ما بين ذلك في سياق الكلام، أو عن لفظ يدل عليه، فأما مع الإطلاق فلا يقع ذلك، بل لا يجوز استعماله مع الإيهام، كما لا يقال: الجنة والنار لا يفنيان، وكما لا [ ص: 241 ] يقال: الخالق والمخلوق لا يفنيان، ويراد به أن المخلوق وحده يفنى، ولا يقال: الدنيا والآخرة لا تبقيان، ويراد به أن الدنيا وحدها تفنى، ولا يقال: إن محمدا ومسيلمة لا يصدقان أو لا يكذبان، ويراد به صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - وحده، وكذب مسيلمة وحده، فإن هذا كله استعمال قبيح ممنوع; ولا يعهد مثله في كلام أحد ممن يعتد به .

                                                                                                                                                                                              وقول أحمد بعد هذا: "نسأل الله التثبيت أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا" يدل على أن القول بخلاف ذلك عنده من الضلال والزيغ، وقد صرح بهذا فيما نقله عنه حرب، قال حرب في مسائله: هذا مذهب أئمة أهل العلم وأصحاب الأثر، وأهل السنة المعروفين بها، المقتدى بهم، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد ، وإسحاق والحميدي ، وسعيد بن منصور ، وغيرهم ممن جالسنا، وأخذنا عنهم العلم، فكان من قولهم: الإيمان قول وعمل - وذكر العقيدة ومن جملتها - قال: ولقد خلقت الجنة وما فيها وخلقت النار وما فيها، خلقهما الله ثم خلق الخلق لهما لا يفنيان، ولا يفنى ما فيهما أبدا، فإن احتج مبتدع أو زنديق بقول الله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه ونحو هذا، فقل له: كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك، والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء ولا للهلاك، وهما من الآخرة لا من الدنيا . . . وذكر بقية العقيدة .

                                                                                                                                                                                              فقوله في آخر كلامه: "خلقتا للبقاء لا للفناء ولا للهلاك " يبطل تأويل من تأول أول الكلام على أن المراد به لا يفنى مجموعهما . [ ص: 242 ] وقد نقل هذا الكلام الذي نقله حرب كله، عن أحمد صريحا . كذلك نقله عنه أبو العباس أحمد بن جعفر بن يعقوب الأصطخري، أنه قال: إن هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر، وأهل السنة، المتمسكين بعروقها، المعروفين بها، المقتدى بهم فيها، ومن لدن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء الحجاز وأهل الشام وغيرهم، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها، فهو مخالف مبتدع خارج من الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق - فذكر العقيدة كلها - وفيها: وقد خلقت الجنة وما فيها، وخلقت النار وما فيها، خلقهما الله، وخلق الخلق لهما، ولا يفنيان، ولا يفنى ما فيهما أبدا، فإن احتج مبتدع أو زنديق بقول الله عز وجل: كل شيء هالك إلا وجهه ونحو هذا من متشابه القرآن؟ قيل له: كل شيء هالك مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك، والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء ولا للهلاك، وهما من الآخرة لا من الدنيا، وذكر بقية العقيدة .

                                                                                                                                                                                              وقد رويت هذه العقيدة عن الإمام أحمد : أرواح المؤمنين في الجنة وأرواح الكفار في النار .

                                                                                                                                                                                              وقد حكى القاضي أبو يعلى في كتاب "المعتمد" ومن تبعه من الأصحاب هذا الكلام عن عبد الله بن أحمد عن أبيه، ولم ينقله عبد الله عن أبيه إنما نقله عن حنبل .

                                                                                                                                                                                              إنما نقل عبد الله عن أبيه، فقال الخلال: أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: سألت أبي عن أرواح الموتى، أتكون في أفنية قبورها، أم في [ ص: 243 ] حواصل طير، أم تموت كما تموت الأجساد؟ قال: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "نسمة المؤمن إذا مات طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم بعثه " .

                                                                                                                                                                                              وقد روي عن عبد الله بن عمرو قال: أرواح المؤمنين في أجواف طير خضر كالزرازير ثم يتعارفون فيها ويرزقون من ثمارها .

                                                                                                                                                                                              وقال بعض الناس: أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، تأوي إلى قناديل في الجنة معلقة بالعرش . انتهى . وهذا الكلام - أيضا - يدل على أن أرواح المؤمنين عند الله في الجنة، لأنه ذكر في جوابه الأحاديث الدالة المرفوعة والموقوفة على ذلك . ولم يذكر سوى ذلك، ففي رواية حنبل جزم بأن أرواح المؤمنين في الجنة . وفي رواية عبد الله ذكر الأدلة على ذلك . فأما الحديث المرفوع الذي ذكره، فهو من رواية مالك ، عن ابن شهاب . أن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أخبره أن أباه كعبا ، كان يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه الله إلى جسده "، كذا رواه مالك في "الموطإ" ورواه عن مالك جماعة منهم الشافعي ، ورواه الإمام أحمد في "مسنده " عن الشافعي ، وخرجه الشافعي من طريق مالك أيضا . [ ص: 244 ] وخرجه ابن ماجه من طريق الحارث بن فضيل، عن الزهري ، بهذا الإسناد . وكذا رواه عن الزهري : يونس والزبيدي والأوزاعي وابن إسحاق ، ورواه شعيب وابن أخي الزهري وصالح بن كيسان، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن جده كعب . وقال صالح في حديثه: إنه بلغه أن كعبا كان يحدث; وقال شعيب في حديثه: إن كعبا كان يحدث فهو على رواية صالح ومن وافقه فهو منقطع، وذكر محمد بن يحيى الذهلي أن ذلك هو المحفوظ، وخالفه ابن عبد البر في ذلك . ورجح رواية مالك ومن وافقه، وقد روي - معنى حديث كعب - من وجوه متعددة . فروى حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر حديث القبر بطوله، وفيه في حق المؤمن، قال: "ويعاد الجسد إلى ما بدئ منه، ويجعل روحه في نسيم طيب يعلق في شجر الجنة" خرجه الطبراني وغيره .

                                                                                                                                                                                              وخرجه ابن حبان في "صحيحه " من طريق معمر ، عن محمد بن عمرو به، ولفظه: "وتجعل نسمته في النسيم الطيب، وهو طير يعلق في شجر الجنة" وقد سبق أن غيرهما رواه عن محمد بن عمرو ، ووقفه على أبي هريرة . وقد تقدم حديث أم هانئ الأنصارية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يكون النسم طيرا تعلق بالشجر، حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها" .

                                                                                                                                                                                              وخرج ابن منده ، من رواية موسى بن عبيدة الربذي، عن عبد الله بن زيد، عن أم بشر بنت المعرور، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أرواح المؤمنين [ ص: 245 ] في حواصل طير خضر، ترعى في الجنة، تأكل من ثمارها، وتشرب من مائها، وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش، فتقول: ربنا ألحق بنا إخواننا وآتنا ما وعدتنا، وإن أرواح الكفار في حواصل طير سود، تأكل من النار، وتشرب من النار، وتأوي إلى حجرة في النار، فيقولون: ربنا لا تلحق بنا إخواننا، ولا تؤتنا ما وعدتنا" . وموسى بن عبيدة شيخ صالح، شغلته العبادة عن حفظ الحديث، فكثرت المناكير في حديثه . ابن منده وخرج ابن منده - أيضا - من رواية معاوية بن صالح ، عن سمرة بن جندب ، قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أرواح المؤمنين، فقال: "في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت " . قالوا: يا رسول الله، أرواح الكفار؟ قال: "محبوسة في سجين " . وهذا مرسل .

                                                                                                                                                                                              وخرج أيضا من رواية عيسى بن موسى، عن سفيان الثوري ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن عبد الله بن عمرو ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرواح المؤمنين في أجواف طير كالزرازير تأكل من ثمر الجنة" . ثم قال ابن منده : رواه جماعة عن الثوري موقوفا، يعني على عبد الله بن عمرو . قلت: والصواب وقفه . وقد سبق أن الإمام ذكره في رواية ابنه عبد الله موقوفا، وكذا رواه وكيع . عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن عبد الله بن عمرو ، قال: أرواح المؤمنين في أجواف طير خضر كالزرازير، يتعارفون فيها، ويرزقون من ثمارها . خرجه الخلال . وخرج - أيضا - من حديث أبي هاشم، عن أبي إسحاق ، عن أبي [ ص: 246 ] الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، فذكر احتضار المؤمن، وأن روحه تعاد إلى جسده عند سؤاله في القبر، ثم ترفع روحه، فتجعل في أعلى عليين . ثم تلا عبد الله الآية: إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم (20) . قال: في السماء السابعة، فأما الكافر فذكر الكلام، وتلا: إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين (8) . قال: الأرض السابعة . وروي مثل هذا المعنى عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو . وذكره ابن عبد البر . وروى سعيد ، عن قتادة قال: ذكر لنا أن عبد الله بن عمرو كان يقول: في سجين هي الأرض السفلى فيها أرواح الكفار .

                                                                                                                                                                                              وروى ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، أن منصور بن أبي منصور ، حدثه، قال: سألت عبد الله بن عمرو ، عن أرواح المسلمين حين يموتون، قال: ما تقولون يا أهل العراق؟ قلت: لا أدري . قال: فإنها صور طير بيض في ظل العرش، وأرواح الكفار في الأرض السابعة .

                                                                                                                                                                                              وروى - أيضا - عن كعب ، من رواية الأعمش ، عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف قال: كنا جلوسا إلى كعب ، فجاء ابن عباس ، فقال: يا كعب ، كل ما في القرآن قد عرفت، غير أربعة أشياء، فأخبرني عنهن، فسأله عن سجين وعليين، فقال كعب : أما عليون فالسماء السابعة فيها أرواح المؤمنين، وأما سجين فالأرض السابعة السفلى وفيها أرواح الكفار تحت . [ ص: 247 ] خد إبليس

                                                                                                                                                                                              وقد ثبت بالأدلة أن الجنة فوق السماء السابعة، وأن النار تحت الأرض السابعة وقد ذكرنا ذلك في كتاب: "صفة النار" مستوفى .

                                                                                                                                                                                              وروى أبو نعيم ، من طريق الحكم بن أبان، قال: نزل بي ضيف من أهل صنعاء، فقال: سمعت وهب بن منبه ، يقول: إن لله عز وجل في السماء السابعة دارا يقال لها: البيضاء، تجتمع فيها أرواح المؤمنين، فإذا مات الميت من أهل الدنيا تلقته الأرواح، فيسألونه عن أخبار أهل الدنيا، كما يسأل الغائب أهله إذا قدم عليهم .

                                                                                                                                                                                              وخرج ابن منده ، من طريق سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، أن سلمان الفارسي وعبد الله بن سلام ، لقي أحدهما صاحبه . فقال: إن مت قبلي فحدثني بما لقيت، وإن مت قبلك حدثتك بما لقيت . قال: وكيف يكون ذلك؟ فقال: أرواح المؤمنين تذهب في الجنة حيث شاءت .

                                                                                                                                                                                              وخرجه ابن أبي الدنيا ، من طريق جرير عن يحيى به .

                                                                                                                                                                                              وخرج - أيضا - من طريق ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن منصور بن أبي منصور ، أنه سأل عبد الله بن عمرو ، عن أرواح المؤمنين إذا ماتوا أين هي؟ قال: هي صور طير بيض، في ظل العرش . وروى ليث ، عن أبي قيس، عن هذيل، عن ابن مسعود ، قال: إن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود، تغدو على جهنم، وتروح إليها، فذلك عرضها . [ ص: 248 ] وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، في قوله تعالى: النار يعرضون عليها غدوا وعشيا قال: هم فيها اليوم، يغدى بهم ويراح إلى أن تقوم الساعة . خرجهما ابن أبي حاتم .

                                                                                                                                                                                              وخرج اللالكائي ، من رواية عاصم ، عن أبي وائل، عن أبي موسى الأشعري ، قال: تخرج روح المؤمن وهي أطيب من المسك، فتعرج به الملائكة إلى ربه عز وجل، حتى تأتي ربه، وله برهان مثل الشمس، وروح الكافر - يعني: أنتن من الجيفة -، وهو بوادي حضرموت، في أسفل الثرى، من سبع أرضين .

                                                                                                                                                                                              وقد يستدل للقول بأن أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكفار في النار . من القرآن بأدلة، منها قوله تعالى: فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون (85) . إلى قوله: فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنت نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين وأما إن كان من المكذبين الضالين فنـزل من حميم وتصلية جحيم (94) . هو دخول النار مع إحراقها وإنضاجها، فجعل هذا كله متعقبا للاحتضار والموت .

                                                                                                                                                                                              وكذلك قوله تعالى في قصة المؤمن في سورة يس: قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين (27)

                                                                                                                                                                                              وإنما قال هذا بعد أن قتلوه، ورأى ما أعد الله له وكذلك قوله: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي (30) . على تأويل من تأول ذلك عند الاحتضار . [ ص: 249 ] وكذلك قوله تعالى: فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار ونظير هذه الآية قوله: الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين (29) . ومما يستدل به - أيضا - لذلك، ما رواه مجالد، عن الشعبي ، عن جابر . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن خديجة ، قال: "أبصرتها على نهر من أنهار الجنة، في بيت من قصب، لا لغو فيه ولا نصب " خرجه البزار والطبراني . وخرج الطبراني أيضا بإسناد منقطع عن فاطمة رضي الله عنها، أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أين أمنا خديجة رضي الله عنها؟ قال: "في بيت من قصب لا لغو فيه ولا نصب مع مريم وآسية امرأة فرعون " قالت: ممن هذا القصب ؟ قال: "من القصب المنظوم بالدرر واللؤلؤ والياقوت " .

                                                                                                                                                                                              وخرج أبو داود في "سننه " من حديث أبي هريرة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رجم الأسلمي - الذي اعترف عنده بالزنا - قال: "والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها" .

                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية