الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 246 ] ( لا ) يتيمم ( لفوت جمعة ووقت ) ولو وترا لفواتها إلى بدل ، وقيل يتيمم لفوات الوقت . قال الحلبي : فالأحوط أن يتيمم ويصلي ثم يعيده . ( ويجب ) أي يفترض ( طلبه ) ولو برسوله ( قدر غلوة ) ثلثمائة ذراع من كل جانب ، ذكره الحلبي . [ ص: 247 ] وفي البدائع : الأصح طلبه قدر ما لا يضر بنفسه ورفقته بالانتظار ( إن ظن ) ظنا قويا ( قربه ) دون ميل بأمارة أو إخبار عدل ( وألا ) يغلب على ظنه قربه ( لا ) يجب بل يندب إن رجا وإلا لا ; ولو صلى بتيمم وثمة من يسأله ثم أخبره بالماء أعاد وإلا لا . .

[ ص: 246 ]

التالي السابق


[ ص: 246 ] قوله لفواتها ) أي هذه المذكورات إلى بدل ; فبدل الوقتيات والوتر القضاء ، وبدل الجمعة الظهر فهو بدلها صورة عند الفوات وإن كان في ظاهر المذهب هو الأصل ، والجمعة خلف عنه خلافا لزفر كما في البحر ( قوله وقيل يتيمم إلخ ) هو قول زفر . وفي القنية أنه رواية عن مشايخنا بحر ، وقدمنا ثمرة الخلاف ( قوله قال الحلبي ) أي البرهان إبراهيم الحلبي في شرحه عن المنية ، وذكر مثله العلامة ابن أمير حاج الحلبي في الحلية شرح المنية حيث ذكر فروعا عن المشايخ ، ثم قال ما حاصله : ولعل هذا من هؤلاء المشايخ اختيار لقول زفر لقوة دليله ، وهو أن التيمم إنما شرع للحاجة إلى أداء الصلاة في الوقت فيتيمم عند خوف فوته . قال شيخنا ابن الهمام ولم يتجه لهم عليه سوى أن التقصير جاء من قبله فلا يوجب الترخيص عليه ، وهو إنما يتم إذا أخر لا لعذر . ا هـ . وأقول : إذا أخر لا لعذر فهو عاص . والمذهب عندنا أنه كالمطيع في الرخص ، نعم تأخيره إلى هذا الحد عذر جاء من قبل غير صاحب الحق ، فينبغي أن يقال يتيمم ويصلي ثم يعيد الوضوء كمن عجز بعذر من قبل العباد ، وقد نقل الزاهدي في شرحه هذا الحكم عن الليث بن سعد . وقد ذكر ابن خلكان أنه كان حنفي المذهب ، وكذا ذكره في [ الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية ] . ا هـ ما في الحلية .

قلت : وهذا قول متوسط بين القولين ، وفيه الخروج عن العهدة بيقين فلذا أقره الشارح ، ثم رأيته منقولا في التتارخانية عن أبي نصر بن سلام وهو من كبار الأئمة الحنفية قطعا ، فينبغي العمل به احتياطا ولا سيما وكلام ابن الهمام يميل إلى ترجيح قول زفر كما علمته ، بل قد علمت من كلام القنية أنه رواية عن مشايخنا الثلاثة ، ونظير هذا مسألة الضيف الذي خاف ريبة فإنهم قالوا يصلي ثم يعيد ، والله تعالى أعلم ( قوله ويجب ) أي على المسافر ; لأن طلب الماء في العمرانات أو في قربها واجب مطلقا بحر ( قوله طلبه ) أي الماء ( قوله ولو برسوله ) وكذا لو أخبره من غير أن يرسله بحر عن المنية ( قوله ثلثمائة ذراع ) أي إلى أربعمائة درر وكافي وسراج ومبتغى .

مطلب في تقدير الغلوة ( قوله ذكره الحلبي ) أي البرهان إبراهيم . وعبارته في شرحيه على المنية الكبير والصغير : فيطلب يمينا ويسارا قدر غلوة من كل جانب ، وهي ثلاثمائة خطوة إلى أربعمائة ، وقيل قدر رمية سهم . ا هـ . وفيه مخالفة لما عزاه إليه الشارح من وجهين : الأول تفسير الغلوة بالخطا لا بالأذرع . والثاني الاكتفاء بالطلب يمينا ويسارا ، وهو الموافق لقول الخانية يفرض الطلب يمينا ويسارا قدر غلوة ، وظاهره كما في الشيخ إسماعيل عن البرجندي أنه لا يجب في جانب الخلف والقدام ، نعم في الحقائق ينظر يمينه وشماله وأمامه ووراءه غلوة .

قال في البحر : وظاهره أنه لا يلزمه المشي بل يكفيه النظر في هذه الجهات وهو في مكانه إذا كان حواليه لا يستتر عنه . [ ص: 247 ] وقال في النهر : بل معناه أنه يقسم الغلوة على هذه الجهات ، فيمشي من كل جانب مائة ذراع إذ الطلب لا يتم بمجرد النظر . ا هـ . وفي الشرنبلالية عن البرهان أن قدر الطلب بغلوة من جانب ظنه . ا هـ . قلت : لكن هذا ظاهر أن ظنه في جانب خاص ، أما لو ظن أن هناك ماء دون ميل ولم يترجح عنده أحد الجوانب يطلبه فيها كلها حتى جهة خلفه إلا إذا علم أنه لا ماء فيه حين مروره عليه ، ولكن هل يقسم الغلوة على الجهات أو لكل جهة غلوة ؟ محل تردد . والأقرب الأول كما مر عن النهر ، وصريح ما مر عن شرح المنية خلافه ، ولكن الظاهر أنه لا يلزمه المشي إلا إذا لم يمكنه كشف الحال بمجرد النظر فتدبر ( قوله وفي البدائع إلخ ) اعتمده في البحر ( قوله ورفقته ) الأولى أو رفقته ; لأن ضرر أحدهما كاف كما هو غير خاف ح .

مطلب في الفرق بين الظن وغلبة الظن ( قوله ظنا قويا ) أي غالبا . قال في البحر عن أصول اللامشي : إن أحد الطرفين إذا قوي وترجح على الآخر ولم يأخذ القلب ما ترجح به ولم يطرح الآخر فهو الظن ، وإذا عقد القلب على أحدهما وترك الآخر فهو أكبر الظن وغالب الرأي ( قوله دون ميل ) ظرف لقوله قربه ، وقيد به ; لأن الميل وما فوقه بعيد لا يوجب الطلب ( قوله بأمارة ) أي علامة كرؤية خضرة أو طير ( قوله أو إخبار عدل ) قال في شرح المنية : ويشترط في المخبر أن يكون مكلفا عدلا وإلا فلا بد معه من غلبة الظن حتى يلزم الطلب ; لأنه من الديانات ( قوله وألا يغلب على ظنه ) بأن شك أو ظن ظنا غير قوي نهر ( قوله وإلا لا ) أي إن لم يرج الماء لا يطلبه لعدم الفائدة بحر عن المبسوط ( قوله أعاد وإلا لا ) أي وإن لم يخبره بعدما سأله لا يعيد الصلاة زيلعي وبدائع ، لكن في البحر عن السراج : ولو تيمم من غير طلب وكان الطلب واجبا وصلى ثم طلبه فلم يجده وجبت عليه الإعادة عندهما خلافا لأبي يوسف . ا هـ . ومفاده أنه تجب الإعادة هنا وإن لم يخبره .




الخدمات العلمية