الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وقت ) صلاة ( الفجر ) قدمه لأنه لا خلاف في طرفيه ، وأول من صلاه آدم [ ص: 358 ] وأول الخمس وجوبا ، وقدم محمد الظهر ; لأنه أولها ظهورا وبيانا ، ولا يخفى توقف وجوب الأداء على العلم بالكيفية فلذا لم يقض نبينا صلى الله عليه وسلم الفجر صبيحة ليلة الإسراء ، ثم هل كان قبل البعثة متعبدا بشرع أحد ؟ المختار عندنا لا ، بل كان يعمل بما ظهر له من الكشف الصادق من شريعة إبراهيم وغيره . وصح تعبده في حراء بحر [ ص: 359 ] ( من ) أول ( طلوع الفجر الثاني ) وهو البياض المنتشر المستطير لا المستطيل ( إلى ) قبيل ( طلوع ذكاء ) بالضم غير منصرف اسم الشمس .

التالي السابق


( قوله : لأنه لا خلاف في طرفيه ) أي الطرفين الآتيين : قال في الحلية : نعم في كون العبرة بأول طلوعه أو استطارته أو انتشاره اختلاف المشايخ كما في شرح الزاهدي عن المحيط . وفي خزانة الفتاوى عن شرح السرخسي على الكافي وذكر فيها أن الأول أحوط والثاني أوسع . ا هـ . قال في البحر : والظاهر الأخير لتعريفهم الفجر الصادق به كما يأتي . ورده في النهر بأن الظاهر الأول ، لما في حديث جبريل الذي هو أصل الباب { ثم صلى بي الفجر } " يعني في اليوم الأول " { حين برق وحرم الطعام على الصائم } " وبرق : بمعنى بزغ ، وهو أول طلوعه ا هـ ومثله في الشرنبلالية . وزاد : ولا ينافيه التعريف لأن من شأنه الانتشار فلا يتوقف على انتشاره بأن يكون بعد مضي جانب منه بدليل لفظ الحديث . قال ح : وأظن أن الاستطارة والانتشار بمعنى واحد كما يفيده كلام الشارح الآتي فهما قولان لا ثلاثة . ا هـ .

وبما تقرر علم أن المراد أنه لا خلاف في أوله وهو أصل طلوع الفجر الثاني ، وإنما الخلاف في المراد من الطلوع . وأما عدم الخلاف في آخره فلما صرح به الطحاوي وابن المنذر من أن عليه اتفاق المسلمين . قال في الحلية : فلا يلتفت إلى ما عن الإصطخري من الشافعية ، من أنه إذا أسفر الفجر يخرج الوقت وتصير الصلاة بعده إلى الطلوع قضاء . ا هـ .

وبه يندفع قول القهستاني : إن نفي الخلاف في الطرفين من عدم التتبع .

( قوله : وأول من صلاه آدم ) أي حين أهبط من الجنة وجن عليه الليل ولم يكن رآه قبل فخاف ، فلما انشق الفجر صلى ركعتين شكرا لله تعالى [ ص: 358 ] فلذا قدمه في الذكر عناية .

( قوله : وأول الخمس وجوبا ) قال الرحمتي : الظاهر أن أولها وجوبا العشاء ; لأن الوجوب بآخر الوقت ، والإسراء كان ليلا .

( قوله : لأنه أولها ظهورا ) أي أول الخمس ، بناء على أن إمامة جبريل إنما كانت في الظهر صبيحة الإسراء : وأن إمامته له في الصبح كانت في غير صبيحتها ، والمسألة فيها روايتان أشهرهما البداءة بالظهر كما في أبي السعود .

( قوله : ولا يخفى إلخ ) جواب سؤال . حاصله أن الصبح إذا كان أول الخمس وجوبا فكيف تركه النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة الإسراء مع وجوبه عليه ليلا .

وبيان الجواب أنه وإن كان واجبا لا يجب الأداء قبل العلم بالكيفية ; لأن الخطاب بالمجمل قبل البيان يفيد الابتلاء باعتقاد الحقية في الحال ، وإنما يجب العمل بعد البيان كما ذكره الأصوليون ، فلا يلزم من الوجوب وجوب الأداء ، ونظيره يجب الصوم على المعذور بلا وجوب أداء . وأما الجواب بأنه صلى الله عليه وسلم كان نائما ولا وجوب على النائم ، ففي النهر أنه مردود للإجماع على أن المعذور بنوم ونحوه يلزمه القضاء . ا هـ .

[ فرع ] لا يجب انتباه النائم في أول الوقت ، ويجب إذا ضاق الوقت ، نقله البيري في شرح الأشباه عن البدائع من كتب الأصول ، وقال : ولم نره في كتب الفروع فاغتنمه ا هـ .

قلت : لكن فيه نظر لتصريحهم بأنه لا يجب الأداء على النائم اتفاقا فكيف يجب عليه الانتباه : روى مسلم في قصة التعريس عن أبي قتادة أنه صلى الله عليه وسلم قال " { ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت الأخرى } " وأصل النسخة التنبيه بدل الانتباه ، وسنذكر في الأيمان أنه لو حلف أنه ما أخر صلاة عن وقتها وقد نام فقضاها ، قيل لا يحنث واستظهره الباقاني ، لكن في البزازية الصحيح أنه إن كان نام قبل دخول الوقت وانتبه بعده لا يحنث ، وإن كان نام بعد دخوله حنث ا هـ فهذا يقتضي أنه بنومه قبل الوقت لا يكون مؤخرا وعليه فلا يأثم وإذا لم يأثم لا يجب انتباهه إذ لو وجب لكان مؤخرا لها وآثما ، بخلاف ما إذا نام بعد دخول الوقت ، ويمكن حمل ما في البيري عليه . مطلب في تعبده عليه الصلاة والسلام قبل البعثة .

( قوله : متعبدا ) بكسر الباء . في القاموس : تعبد تنسك . ا هـ . ح . وظاهر قوله في شرح التحرير أي مكلفا أنه بالفتح لكن الأظهر الأول ; لأنه بالفتح يقتضي الأمر ، والكلام فيما قبل البعثة ، تأمل .

( قوله : المختار عندنا لا ) نسبه في التقرير الأكملي إلى محققي أصحابنا قال : لأنه عليه الصلاة والسلام قبل الرسالة في مقام النبوة لم يكن من أمة نبي قط إلخ ، وعزاه في النهر أيضا إلى الجمهور واختار المحقق ابن الهمام في التحرير أنه كان متعبدا بما ثبت أنه شرع يعني لا على الخصوص وليس هو من قومهم ، وقدمنا تمامه في أوائل كتاب الطهارة .

( قوله : وصح تعبده في حراء ) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء يصرف ويمنع من الصرف ، وحكي فيه الفتح والقصر وكذلك حكم قباء ونظمه بعضهم بقوله : حرا وقبا ذكر وأنثهما معا ومد أو اقصر واصرفن وامنع الصرفا . وهو جبل بينه وبين مكة ثلاثة أميال . قال في المواهب اللدنية : وروى ابن إسحاق وغيره " أنه عليه الصلاة والسلام [ ص: 359 ] كان يخرج إلى حراء في كل عام شهرا يتنسك فيه " قال : وعندي أن هذا التعبد يشتمل على أنواع من الانعزال عن الناس والانقطاع إلى الله والأفكار . وعن بعضهم : كانت عبادته عليه الصلاة والسلام في حراء التفكير ، ا هـ ملخصا .

( قوله : من أول طلوع إلخ ) زاد لفظ أول اختيارا لما دل عليه الحديث كما قدمناه .

( قوله : وهو البياض إلخ ) لحديث مسلم والترمذي واللفظ له " { لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير } " فالمعتبر الفجر الصادق وهو الفجر المستطير في الأفق : أي الذي ينتشر ضوءه في أطراف السماء لا الكاذب وهو المستطيل الذي يبدو طويلا في السماء كذنب السرحان أي الذئب ثم يعقبه ظلمة .

[ فائدة ] ذكر العلامة المرحوم الشيخ خليل الكاملي في حاشيته على رسالة الأسطرلاب لشيخ مشايخنا العلامة المحقق علي أفندي الداغستاني أن التفاوت بين الفجرين وكذا بين الشفقين الأحمر والأبيض إنما هو بثلاث درج . ا هـ .

( قوله : إلى قبيل ) كذا أقحمه في النهر ، والظاهر أنه مبني على دخول الغاية ، لكن التحقيق عدمه لكونها غاية مد كما سبق فلا حاجة إلى ذلك . ا هـ . إسماعيل .

( قوله : بالضم ) أي وبالمد كما في القاموس ح .




الخدمات العلمية