الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وكذا لا يصح الاقتداء بمجنون مطبق أو متقطع في غير حالة إفاقته وسكران ) أو معتوه ذكره الحلبي ( ولا طاهر بمعذور ) هذا ( إن قارن الوضوء الحدث أو طرأ عليه ) بعده ( وصح لو توضأ على الانقطاع وصلى كذلك ) كاقتداء بمفتصد أمن خروج الدم ; وكاقتداء امرأة بمثلها ، وصبي بمثله ، ومعذور بمثله وذي عذرين بذي عذر ، لا عكسه كذي انفلات ريح بذي سلس لأن مع الإمام حدثا ونجاسة . [ ص: 579 ] وما في المجتبى الاقتداء بالمماثل صحيح إلا ثلاثة : الخنثى المشكل والضالة والمستحاضة : أي لاحتمال الحيض ; فلو انتفى صح ( و ) لا ( حافظ آية من القرآن بغير حافظ لها ) وهو الأمي ، ولا أمي بأخرس لقدرة الأمي على التحريمة فصح عكسه ( و ) لا ( مستور عورة بعار ) .

فلو أم العاري عريانا ولابسين فصلاة الإمام ومماثله جائزة اتفاقا ، وكذا ذو جرح بمثله وبصحيح ( و ) لا ( قادر على ركوع وسجود بعاجز عنهما ) لبناء القوي على الضعيف ( و ) لا ( مفترض بمتنفل وبمفترض فرضا آخر ) لأن اتحاد الصلاتين شرط عندنا . وصح { أن معاذا كان يصلي مع النبي [ ص: 580 ] صلى الله عليه وسلم نفلا وبقومه فرضا } ( و ) لا ( ناذر ) بمتنفل ، ولا بمفترض ، ولا ( بناذر ) لأن كلا منهما كمفترض فرضا آخر إلا إذا نذر أحدهما عين منذور الآخر للاتحاد ( و ) لا ( ناذر بحالف ) لأن المنذورة أقوى فصح عكسه ، وبحالف ومتنفل ، ومصليا ركعتي طواف كناذرين ; ولو اشتركا في نافلة فأفسداها صح الاقتداء لا إن أفسداها منفردين ; ولو صليا الظهر ونوى كل إمامة الآخر صحت لا إن نويا الاقتداء ، والفرق لا يخفى ( و ) لا ( لاحق و ) لا ( مسبوق بمثلهما ) لما تقرر أن الاقتداء في موضع الانفراد [ ص: 581 ] مفسد كعكسه .

( و ) لا ( مسافر بمقيم بعد الوقت فيما يتغير بالسفر ) كالظهر ، سواء أحرم المقيم بعد الوقت أو فيه ، فخرج فاقتدي المسافر ( بل ) إن أحرم ( في الوقت ) فخرج صح ( وأتم ) تبعا لإمامه ، أما بعد الوقت فلا يتغير فرضه فيكون اقتداء بمتنفل في حق قعدة أو قراءة باقتدائه في شفع أول أو ثان ( و ) لا ( نازل براكب ) ولا راكب براكب دابة أخرى ، فلو معه صح ( و ) لا ( غير الألثغ به ) أي بالألثغ ( على الأصح ) كما في البحر [ ص: 582 ] عن المجتبى ، وحرر الحلبي وابن الشحنة أنه بعد بذل جهده دائما حتما كالأمي ، فلا يؤم إلا مثله ، ولا تصح صلاته إذا أمكنه الاقتداء بمن يحسنه أو ترك جهده أو وجد قدر الفرض مما لا لثغ فيه ، هذا هو الصحيح المختار في حكم الألثغ ، وكذا من لا يقدر على التلفظ بحرف من الحروف أو لا يقدر على إخراج الفاء إلا بتكرار .

التالي السابق


( قوله بمجنون مطبق ) بكسر الباء والنسبة مجازية لأن المطبق هو الجنون لا المجنون ، فهو كقولك ضرب مؤلم ، فإن المؤلم هو الضارب لا الضرب ، وإنما لم يصح الاقتداء به لأنه لا صلاة له لعدم تحقق النية ولعدم الطهارة ( قوله في غير حالة إفاقته ) وأما في حالة الإفاقة فيصح كما في البحر عن الخلاصة . وظاهره أنه لا يصح ما لم يتحقق إفاقته قبل الصلاة ، حتى لو علم منه جنون وإفاقة ولم يعلم حاله وقت الصلاة لا يصح ، وينبغي أنه لو علمت إفاقته بعد جنونه أن يصح ، ولا عبرة باحتمال عود الجنون استصحابا للأصل وهو الصحة لأن الجنون مرض عارض ( قوله أو ( معتوه ) ) هو الناقص العقل ، وقيل المدهوش من غير جنون كذا في المغرب ، وقد جعلوه في حكم الصبي ( قوله ومعذور بمثله إلخ ) أي إن اتحد عذرهما ، وإن اختلف لم يجز كما في الزيلعي والفتح وغيرهما . وفي السراج ما نصه : ويصلي من به سلس البول خلف مثله . وأما إذا صلى خلف من به السلس وانفلات ريح لا يجوز لأن الإمام صاحب عذرين والمؤتم صاحب عذر واحد ا هـ ومثله في الجوهرة . وظاهر التعليل المذكور أن المراد من اتحاد العذر اتحاد الأثر لا اتحاد العين ، وإلا لكان يكفيه في التمثيل أن يقول وأما إذا صلى خلف من به انفلات ريح ، ولكان عليه أن يقول في التعليل لاختلاف عذرهما ، ولهذا قال في البحر : وظاهره أن سلس البول والجرح من قبيل المتحد ، وكذا سلس البول واستطلاق البطن . ا هـ .

أي لاتحادهما في الأثر من حيث إن كلا منهما حدث ونجاسة وإن كان السلس ليس عين الجرح ، لكن اعترض في النهر ذلك بأنه يقتضي جواز اقتداء ذي سلس بذي انفلات ، وليس بالواقع لاختلاف عذرهما ا هـ وهو مبني على أن المراد بالاتحاد اتحاد العين ، وهو ظاهر ما في شرح المنية الكبير ، وكذا صرح في الحلية بأنه لا يصح اقتداء ذي سلس بذي جرح لا يرقأ أو بالعكس . وقال كما هو المذهب ، فإنه يجوز اقتداء معذور بمثله إذا اتحد عذرهما لا إن اختلف ا هـ . وبه علم أن الأحسن ما في النهر وأنه كان ينبغي للشارح متابعته على عادته ، وأن ما قاله هنا تابع فيه صاحب البحر ، وكذا ما مشى عليه في الخزائن حيث قال : اقتداء المعذور بمثله صحيح إن اتحد عذرهما كذي سلس بمثله أو بذي جرح أو انطلاق ، لا إن اختلف كذي انفلات بذي سلس لأن مع الإمام حدثا [ ص: 579 ] ونجاسة ا هـ فإنه خلاف المذهب كما علمت .

( قوله وما في المجتبى ) مبتدأ خبره قوله الآتي : أي لاحتمال الحيض أي ما في المجتبى مفسر بكذا ( قوله الاقتداء بالمخالف ) كذا في بعض النسخ ، وسقط من بعض النسخ لفظة الاقتداء ( قوله أي لاحتمال الحيض ) أي واحتمال ذكورة المقتدية وأنوثة الإمام ، ثم إن هذا في الضالة ظاهر ، وقد صرح به في القنية بقوله : ومن جوز اقتداء الضالة بالضالة فقد غلط غلطا فاحشا لاحتمال اقتدائها بالحائض . ا هـ . وأما في المستحاضة فمشكل لأن المستحاضة حقيقة لا تحتمل أن تكون حائضا كمن تجاوز دمها على عشرة في الحيض أو أربعين في النفاس إلا أن يراد بها نحو المبتدأة قبل تمام ثلاثة أيام فإنها تترك الصلاة بمجرد رؤيتها الدم ، فإن تم ثلاثة فيها وإلا قضت ، فهي الثلاث يحتمل حالها الحيض والاستحاضة ، وكذا المعتادة إذا تجاوز الدم على عادتها فإنها يحتمل أن ينقطع لعشرة فتكون حائضا أو لأكثر فتكون مستحاضة ، فلا يجوز لمثلها الاقتداء بها . قال الرحمتي الذي رأيته في المجتبى : واقتداء المستحاضة بالمستحاضة يجوز والضالة بالضالة لا يجوز كالخنثى المشكل بالمشكل ا هـ وهذه لا إشكال فيها ، ولعل نسخة صاحب البحر محرفة وتبعوه عليها تأمل ا هـ لكن الذي في القهستاني موافق لما هنا . هذا ، وقد ذكر في القنية روايتين في الخنثى المشكل ( قوله فلو انتفى ) أي الاحتمال ح .

( قوله بغير حافظ لها ) شمل من يحفظها أو أكثر منها ، لكن بلحن مفسد للمعنى لما في البحر : الأمي عندنا من لا يحسن القراءة المفروضة ، وعند الشافعي من لا يحسن الفاتحة ( قوله ولا أمي بأخرس ) أما اقتداء أخرس بأخرس أو أمي بأمي فصحيح ط عن أبي السعود ( قوله فصح عكسه ) تفريع على التعليل لأن قدرة الأمي على التحريمة دليل على أنه أقوى حالا من الأخرس فصح اقتداء الأخرس به دون عكسه ، ومفهومه أنه إذا لم يقدر صح اقتداء كل منهما بالآخر تأمل ( قوله اتفاقا ) بخلاف الأمي إذا أم أميا وقارئا فإن صلاة الكل فاسدة عند الإمام لأن الأمي يمكن أن يجعل صلاته بقراءة إذا اقتدى بقارئ لأن قراءة الإمام له قراءة وليست طهارة الإمام وستره طهارة وسترا للمأموم حكما فافترقا بحر ( قوله وكذا ذو جرح بمثله وبصحيح ) تبع في هذا التعبير صاحب البحر ، والأولى : مثله وصحيحا ، فإن التقدير . وكذا لو أم ذو جرح مثله وصحيحا ، وأم يتعدى بنفسه ح ( قوله بعاجز عنهما ) أي بمن يومئ بهما قائما أو قاعدا ، بخلاف ما لو أمكناه قاعدا فصحيح كما سيأتي . قال ط : والعبرة للعجز عن السجود ، حتى لو عجز عنه وقدر على الركوع أومأ ( قوله وبمفترض فرضا آخر ) سواء تغاير الفرضان اسما أو صفة كمصلي ظهر أمس بمصلي ظهر اليوم ; بخلاف ما إذا فاتتهم صلاة واحدة من يوم واحد فإنه يجوز ; وكذا لو صلى ركعتين من العصر فغربت الشمس فاقتدى به آخر في الأخريين لأن الصلاة واحدة وإن كان هذا قضاء للمقتدي جوهرة .

( قوله لأن اتحاد الصلاتين إلخ ) قدمنا أول الباب معنى اتحادهما ( قوله وصح أن معاذا إلخ ) أي صح عند أئمتنا وترجح ، وهو جواب عما استدل به الشافعي على جواز الفرض بالنفل وهو ما في الصحيحين " { أن معاذا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة } " [ ص: 580 ] والجواب { أن معاذا لما شكاه قومه قال له صلى الله عليه وسلم يا معاذ لا تكن فتانا ، إما أن تصلي معي ، وإما أن تحفف على قومك } " رواه أحمد . قال الحافظ ابن تيمية : فيه دلالة على منع اقتداء المفترض بالمتنفل لأنه يدل على أنه متى صلى معه امتنعت إمامته وبالإجماع لا تمتنع إمامته بصلاة النفل معه ، فعلم أن الذي كان يصليه مع النبي صلى الله عليه وسلم نفل . ا هـ . وقال الإمام القرطبي في المفهم : الحديث يدل على أن صلاة معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم كانت نافلة وكانت صلاته بقومه هي الفريضة ، وتمامه في حاشية نوح أفندي وفتح القدير ( قوله ولا ناذر بمتنفل ) لأن النذر واجب فيلزم بناء القوي على الضعيف ح ( قوله لأن كلا إلخ ) علة للأخيرين ، فإن المنذور فرض أو واجب .

ورجح الشرنبلالي الأولى فافهم ( قوله إلا إذا نذر أحدهما إلخ ) بأن قال بعد نذر صاحبه نذرت تلك المنذورة التي نذرها فلان شرح المنية ( قوله للاتحاد ) لأنه لما نذر منذورة صاحبه فكأنهما نذرا صلاة بعينها ، بخلاف ما إذا نذرت كل منهما صلاة لأن ما أوجبه كل منهما بنذره غير ما أوجبه الآخر ، وليس منذور أحدهما أقوى من الآخر ( قوله لأن المنذورة أقوى ) أي من المحلوف عليها فإنها لا تخرج بالحلف عن كونها نافلة ، ألا ترى أنه باق على التخيير ، إن شاء صلى وبر في يمينه ، وإن شاء ترك وكفر ، ولذا جاز اقتداء الحالف بالحالف وبالمتنفل ، وما وقع في المنح تبعا للبحر من أن الوجوب فيها عارض غير صحيح ، ولذا أضرب عنه الشارح رحمتي . أقول : يؤيد هذا ما صرحوا به في كتاب الأيمان من أن المحلوف عليه إن كان فرضا وجب البر ، أو معصية وجب الحنث ، أو غيره خير ترجح الحنث ، وإن تساويا ترجح البر تأمل ( قوله فصح عكسه ) لأن فيه بناء الضعيف على القوي وهو جائز ط ( قوله وبحالف ) عطف على الناذر الذي تضمنه قوله عكسه ، والتقدير : فصح اقتداء حالف بناذر وبحالف ح . وصورة الحلف بها كما في الخلاصة أن يقول : والله لأصلين ركعتين بحر ، وإنما صح اقتداء حالف بحالف لما علمته من أنها لا تخرج بالحلف عن كونها نافلة ، فكان اقتداء متنفل بمثله ، وعلله في شرح المنية بقوله : لأن الواجب هو البر فبقيت الصلاتان نفلا في نفسهما ا هـ تأمل .

( قوله وبمتنفل ) عطف على قوله بحالف أي صح اقتداء الحالف بالمتنفل لأن المحلوف عليها نفل ح وقوله في البحر : وقد يقال إنها واجبة لتحقيق البر فينبغي أن لا تجوز خلف المتنفل ا هـ علمت جوابه ( قوله ومصليا ) تثنية مصل ، وهو مبتدأ خبره قوله كناذرين ، يعني فلا يصح اقتداء أحدهما بالآخر لاختلاف السبب ، فإن طواف أحدهما غير طواف الآخر كما في البحر ح . وما في الخانية من أنه يصح بمنزلة اقتداء المتطوع بالمتطوع الظاهر أنه مبني على القول بسنية ركعتي الطواف ، ويؤيده ما بحثه في البحر بقوله : وينبغي أن يصح الاقتداء على القول بسنيتهما ( قوله صح الاقتداء ) أي للاتحاد ، فكان كنذر أحدهما عين ما نذره الآخر ح ( قوله لا إن أفسداها منفردين ) لاختلاف السبب كالناذرين ( قوله والفرق لا يخفى ) هو أن الإمام منفرد في حق نفسه ، ولا يصير إماما إلا باقتداء غيره به فبقيا منفردين ، وأما المقتدي فلا تصح صلاته إلا بنية الاقتداء والاقتداء يصح لمن نوى بناء صلاته على غيره ( قوله بمثلهما ) وكذا لاحق بمسبوق وعكسه ح ( قوله الاقتداء في موضع الانفراد ) هذا يجري في اقتداء المسبوق بمسبوق أو لاحق ، وقوله كعكسه : [ ص: 581 ] يعني الانفراد في موضع الاقتداء يجري في اقتداء اللاحق بلاحق أو مسبوق ، فإن اللاحق إذا قصد الاقتداء بغير إمامه فكأنه انفرد أولا عن إمامه ثم اقتدى فصح أنه انفرد في موضع الاقتداء ح .

( قوله ولا مسافر بمقيم إلخ ) أي ولا يصح اقتداء مسافر بمقيم إلخ . وبيان ذلك أن صلاة المسافر قابلة للإتمام ما دام الوقت باقيا ، بأن ينوي الإقامة ، أو بأن يقتدي بمقيم فيصير تبعا لإمامه ويتم لبقاء السبب وهو الوقت . أما إذا خرج الوقت فقد تقررت في ذمته ركعتين فلا يمكن إتمامها بإقامة أو غيرها ، حتى إنه يقضيها في بلده ركعتين ، فإذا اقتدي بعد الوقت بمقيم أحرم بعد الوقت أو فيه لا يصح ، لما قلنا ولما يأتي ، بخلاف ما إذا اقتدى به في الوقت فإنه يتم لما قلنا ( قوله فيما يتغير بالسفر ) احتراز عن الفجر والمغرب فإنه يصح في الوقت وبعده لعدم تغيره ( قوله فخرج ) معطوف على قوله أو فيه لأن أو العاطفة قائمة مقام العامل وهو أحرم ، وقوله فاقتدى معطوف على أحرم ( قوله بل إن أحرم ) أي المسافر المقتدي بالمقيم ، وعبر بأحرم بدل اقتدى لينبه على أن مجرد إدراك التحريمة في الوقت كاف في صحة الاقتداء ولزوم الإتمام فافهم .

( قوله فيكون ) تفريع على عدم التغير ح ( قوله باقتدائه ) الباء للتصوير ( قوله في شفع أول أو ثان ) نشر مرتب : أي أنه إذا اقتدى بالمقيم في الشفع الأول يكون اقتداء مفترض بمتنفل في حق القعدة الأولى ، فإنها فرض على المسافر لأنها آخر صلاته نفل في حق المقيم لأنها أولى في حقه ، وأطلقوا النفل هنا على ما ليس بفرض وهو الواجب لأن النفل الزيادة والواجب زائد على الفرض ، وإذا اقتدى به في الشفع الثاني يكون اقتداء مفترض بمتنفل أيضا في حق القراءة لأنها فرض بالنسبة إلى صلاة المسافر نفل للمقيم ، سواء قرأ المقيم في الأوليين وهو ظاهر ، أو في الأخريين فقط لأن محلها الأوليان فتلتحق بهما فتخلو الأخريان عنها حكما . ولا يرد اقتداء المتنفل بالمفترض لما في النهاية من أنها أخذت حكم الفرض تبعا لصلاة الإمام ; ولذا لو أفسدها بعد الاقتداء يقضيها أربعا . [ تنبيه ]

يؤخذ من هذا أنه لو اقتدى مقيمون بمسافر وأتم بهم بلا نية إقامة وتابعوه فسدت صلاتهم لكونه متنفلا في الأخريين ، نبه على ذلك العلامة الشرنبلالي في رسالته في المسائل الاثني عشرية ; وذكر أنها وقعت له ولم يرها في كتاب . قلت : وقد نقلها الرملي في باب المسافر عن الظهيرية ، وسنذكرها هناك أيضا ( قوله ولا نازل براكب إلخ ) وكذا عكسه ، والعلة في هذه المسائل اختلاف المكان ، وإنما صح لو كان معه على دابة واحدة لاتحاده كما في الإمداد أيضا ; ففي اقتداء النازل بالراكب مانع آخر وهو كونه اقتداء من يركع ويسجد بمن يومئ بهما إلا إذا كان النازل موميا أيضا . ثم إن هذا دليل على أن اختلاف المكان مانع من الاقتداء وإن لم يكن فيه اشتباه حال الإمام لأن الاشتباه إنما يعتبر في الحائل لا في اختلاف المكان كما سيأتي تحقيقه بعون الله تعالى فافهم ( قوله ولا غير الألثغ به ) هو بالثاء المثلثة بعد اللام من اللثغ بالتحريك . قال في المغرب : هو الذي يتحول لسانه من السين إلى الثاء ، وقيل من الراء إلى الغين أو اللام أو الياء . زاد في القاموس أو من حرف إلى حرف ( قوله على الأصح ) أي خلافا لما في الخلاصة عن الفضلي من أنها جائزة لأن ما يقوله صار لغة له ، ومثله في التتارخانية . [ ص: 582 ] مطلب في الألثغ

وفي الظهيرية وإمامة الألثغ لغيره تجوز ، وقيل لا ، ونحوه في الخانية عن الفضلي . وظاهره اعتمادهم الصحة ، وكذا اعتمدها صاحب الحلية ، قال لما أطلقه غير واحد من المشايخ من أنه ينبغي له أن لا يؤم غيره ، ولما في خزانة الأكمل : وتكره إمامة الفأفاء ا هـ ولكن الأحوط عدم الصحة كما مشى عليه المصنف ونظمه في منظومته تحفة الأقران ، وأفتى به الخير الرملي وقال في فتاواه : الراجح المفتى به عدم صحة إمامة الألثغ لغيره ممن ليس به لثغة . وأجاب عنه بأبيات ، منها قوله : إمامة الألثغ للمغاير تجوز عند البعض من أكابر     وقد أباه أكثر الأصحاب
لما لغيره من الصواب وقال أيضا :     إمامة الألثغ للفصيح
فاسدة في الراجح الصحيح ( قوله دائما ) أي في آناء الليل وأطراف النهار ، فما دام في التصحيح والتعلم ولم يقدر عليه فصلاته جائزة ، وإن ترك جهده فصلاته فاسدة كما في المحيط وغيره . قال في الذخيرة وإنه مشكل عندي لأن ما كان خلقة فالعبد لا يقدر على تغييره ا هـ وتمامه في شرح المنية ( قوله حتما ) أي بذلا حتما فهو مفروض عليه ط ( قوله فلا يؤم إلا مثله ) يحتمل أن يراد المثلية في مطلق اللثغ فيصح اقتداء من يبدل الراء المهملة غينا معجمة بمن يبدلها لاما ، وأن يراد مثلية في خصوص اللثغ ، فلا يقتدي من يبدلها غينا إلا بمن يبدلها غينا ، وهذا هو الظاهر كاختلاف العذر ، فليراجع ح .

( قوله إذا أمكنه الاقتداء بمن يحسنه ) أي يحسن ما يلثغ هو به أو يحسن القرآن ، وهذا مبني على أن الأمي إذا أمكنه الاقتداء يلزمه ، وفيه كلام ستعرفه . وعلى ما إذا ترك جهده ، لما علمت من أنه ما دام في التصحيح ولم يقدر عليه فصلاته جائزة وإن ترك جهده فصلاته فاسدة ، ولا بد أيضا من تقييده بما إذا لم يقدر على قراءة قدر الفرض مما لا لثغ فيه ، فإن قدر عليه وقرأه لا يلزمه الاقتداء ولا بذل الجهد كما لا يخفى ( قوله أو ترك جهده ) أي وصلى غير مؤتم لم يقدر على قراءة المفروض مما لا لثغ فيه ; أما لو اقتدى أو قرأ ما لا لثغ فيه فإنها تصح وإن ترك جهده ( قوله أو وجد قدر الفرض إلخ ) أي وصلى غير مؤتم ولم يقرأه وإلا صحت . وفي الولوالجية إن كان يمكنه أن يتخذ من القرآن آيات ليس فيها تلك الحروف يتخذ إلا فاتحة الكتاب فإنه لا يدع قراءتها في الصلاة . ا هـ . ( قوله وكذا من لا يقدر على التلفظ بحرف من الحروف ) عطفه على ما قبله بناء على أن اللثغ خاص بالسين والراء كما يعلم مما مر عن المغرب ، وذلك كالرهمن الرهيم والشيتان الرجيم والآلمين وإياك نأبد وإياك نستئين السرات أنأمت ، فكل ذلك حكمه ما مر من بذل الجهد دائما وإلا فلا تصح الصلاة به . مطلب إذا كانت اللثغة يسيرة [ تتمة ]

سئل الخير الرملي عما إذا كانت اللثغة يسيرة . فأجاب بأنه لم يرها لأئمتنا ، وصرح بها الشافعية بأنه لو كانت يسيرة بأن يأتي بالحرف غير صاف لم تؤثر . قال وقواعدنا لا تأباه ا هـ وبمثله أفتى تلميذ الشارح المرحوم [ ص: 583 ] الشيخ إسماعيل الحائك مفتي دمشق والشام




الخدمات العلمية