الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              5027 (باب مثل المسلم مثل النخلة)

                                                                                                                              وقال النووي: «مثل المؤمن» . والمعنى واحد. والمفهوم متقارب.

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 155 جـ17 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم ، فحدثوني ما هي ؟ فوقع الناس في شجر البوادي. قال عبد الله : ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله ! قال: فقال: هي النخلة، قال: فذكرت ذلك لعمر ، قال: لأن تكون قلت هي النخلة، أحب إلي من كذا وكذا ]

                                                                                                                              [ ص: 152 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 152 ] (الشرح)

                                                                                                                              عن عبد الله «بن عمر» ، رضي الله عنهما «قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم» يوما فقال لأصحابه: «أخبروني بشجرة -شبه- أو كالرجل المسلم لا يتحات ورقها» ، أي: لا يتناثر، ولا يتساقط، وفي رواية «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم؛ فحدثوني ما هي؟» وفي الأخرى. أخبروني عن شجرة مثلها مثل المؤمن» .

                                                                                                                              (وتؤتي أكلها كل حين ) . قال ابن عمر: فوقع في نفسي ) .، وفي رواية «فوقع الناس في شجر البوادي، ووقع في نفسي. «أنها النخلة» ، وفي رواية «فجعل القوم يذكرون شجرا من شجر البوادي، وألقي في نفسي أو روعي أنها النخلة» «ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان؛ فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا» ، وفي رواية «فجعلت أريد أن أقولها، فإذا أسنان القوم، فأهاب أن أتكلم» فلما سكتوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي النخلة. فقال عمر: «لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا» .

                                                                                                                              وفي رواية: «فذكرت ذلك لعمر. قال: لأن تكون قلت: هي النخلة أحب إلي من كذا وكذا» . «ولأن تكون» بفتح اللام.

                                                                                                                              [ ص: 153 ] «وفي هذا الحديث» فوائد: منها؛ استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه، ليختبر أفهامهم، ويرغبهم في الفكر والاعتناء.

                                                                                                                              «وفيه ضرب الأمثال والأشباه. «وفيه» توقير الكبار كما فعل ابن عمر؛ لكن إذا لم يعرف الكبار المسألة، فينبغي للصغير الذي يعرفها، أن يقولها، «وفيه» سرور الإنسان بنجابة ولده، وحسن فهمه، وقول عمر رضي الله عنه: -لأن تكون قلت: هي النخلة أحب إلي - أراد بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو لابنه، ويعلم حسن فهمه ونجابته. «وفيه فضل النخل. قال العلماء: وشبه النخلة بالمسلم في كثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجوده على الدوام، فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس؛ وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة، ومن خشبها، وورقها، وأغصانها، فيستعمل جذوعا، وحطبا، وعصيا، ومخاصر، وحصرا، وحبالا، وأواني، وغير ذلك. ثم آخر شيء منها «نواها» ؛ وينتفع به علفا للإبل، ثم جمال نباتها، وحسن هيئة ثمراتها.

                                                                                                                              فهي منافع كلها، وخير، وجمال. كما أن المؤمن خير كله؛ من كثرة طاعاته، ومكارم أخلاقه، ويواظب على صلاته، وصيامه، وقراءته، وذكره، والصدقة، والصلة، وسائر الطاعات، وغير ذلك.

                                                                                                                              فهذا هو الصحيح في وجه التشبيه. قيل: وجه الشبه أنه إذا قطع رأسها ماتت، بخلاف باقي الشجر. وقيل: لأنها لا تحمل حتى تلقح ؛ والله أعلم.

                                                                                                                              هذا آخر كلام النووي «رح» . ومن محاسن الاتفاقات أني كنت [ ص: 154 ] أطالع «المشكاة» في أيام الطفولية، فلما مررت على هذا الحديث، وقرأت قوله صلى الله عليه وسلم فيه «أخبروني عن شجرة مثلها مثل المؤمن» وقع في نفسي، ما وقع في نفس ابن عمر، رضي الله عنه، أنها «النخلة» . ثم لما وصلت إلى قوله «هي النخلة» فرحت فرحا شديدا، من وجهين واضحين:

                                                                                                                              الأول-موافقة ابن عمر في الفهم والإدراك أولا.

                                                                                                                              والثاني مطابقة هذا الوقوع بما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذاك فرح لا يساويه فرح. وهذه مسرة لا يوازيها مسرة. ولله الحمد.


                                                                                                                              وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح

                                                                                                                              .

                                                                                                                              وفي بعض طرق هذا الحديث عن ابن عمر قال: «كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجمار» فذكر نحو حديثه. «والجمار» بضم الجيم وتشديد الميم: هو الذي يؤكل من قلب النخل، يكون لينا. ومعنى قوله في رواية أخرى: «فوقع الناس في شجر البوادي» ، أي: ذهبت أفكارهم إلى أشجار الصحاري، والبوادي.

                                                                                                                              وكان كل إنسان يفسرها بنوع من أنواع شجر البوادي، وذهلوا عن النخلة.

                                                                                                                              «وفيه» دلالة على تفاوت الأفكار، وتخالف الأفهام، وتباين الإدراكات، في نوع الإنسان، وأنه ليس كل آدمي بصاحب فكر صحيح، ودرك سليم؛ والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية