الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وروى أنه لما ثقل عمر بن عبد العزيز دعي له طبيب ، فلما نظر إليه قال أرى الرجل : قد سقي السم ولا آمن عليه الموت ، فرفع عمر بصره وقال : ولا تأمن الموت أيضا على من لم يسق السم ، قال الطبيب : هل أحسست بذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم قد ، عرفت ذلك حين وقع في بطني ، قال : فتعالج يا أمير المؤمنين فإني أخاف أن تذهب نفسك ، قال : ربي خير مذهوب إليه ، والله لو علمت أن شفائي عند شحمة أذني ما رفعت يدي إلى أذني فتناولته .

اللهم خر لعمر في لقائك ، فلم يلبث إلا أياما حتى مات وقيل : لما حضرته الوفاة بكى ، فقيل له : ما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ أبشر فقد أحيا الله بك سننا وأظهر بك عدلا فبكى ، ثم قال : أليس أوقف فأسأل عن أمر هذا الخلق ؟ فوالله لو عدلت فيهم لخفت على نفسي أن لا تقوم بحجتها بين يدي الله إلا أن يلقنها الله حجتها ، فكيف بكثير مما ضيعنا ، وفاضت عيناه فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات ولما قرب وقت موته قال : أجلسوني ، فأجلسوه ، فقال : أنا الذي أمرتني فقصرت ، ونهيتني فعصيت ، ثلاث مرات ، ولكن لا إله إلا الله ، ثم رفع رأسه فأحد النظر ، فقيل له في ذلك فقال : إني لأرى خضرة ما هم بإنس ولا جن ، ثم قبض رحمه الله .

وحكي عن هارون الرشيد أنه انتقى أكفانه بيده عند الموت ، وكان ينظر إليها ويقول : ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه .

وفرش المأمون رمادا واضطجع عليه ، وكان يقول : يا من لا يزول ملكه ، ارحم من قد زال ملكه وكان المعتصم يقول عند موته : لو علمت أن عمري هكذا قصير ما فعلت .

وكان المنتصر يضطرب على نفسه عند موته فقيل له : لا بأس عليك يا أمير المؤمنين ، فقال : ليس إلا هذا ، لقد ذهبت الدنيا وأقبلت الآخرة .

وقال عمرو بن العاص عند الوفاة وقد نظر إلى صناديق لبنيه : من يأخذها بما فيها ليته كان بعرا .

وقال الحجاج عند موته : اللهم اغفر لي فإن الناس يقولون : إنك لا تغفر لي .

فكان عمر بن عبد العزيز تعجبه هذه الكلمة منه ويغبطه عليها ولما حكي ذلك للحسن قال : أقالها ؟ قيل : نعم ، قال : عسى .

التالي السابق


(وروى أنه لما ثقل عمر بن عبد العزيز) -رحمه الله تعالى- (دعي له طبيب، فلما نظر إليه قال الرجل: قد سقي السم ولا آمن عليه الموت، فرفع عمر) -رحمه الله تعالى- (بصره وقال: ولا تأمن الموت أيضا على من لم يسق السم، قال الطبيب: هل حسست بذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، عرفت ذلك حين وقع في بطني، قال: فتعالج يا أمير المؤمنين فإني أخاف أن تذهب نفسك، قال: ربي خير مذهوب إليه، والله لو علمت أن شفائي عند شحمة أذني ما رفعت يدي إلى أذني فتناولته، اللهم خر لعمر في لقائك، فلم يلبث إلا أياما حتى مات) .

رواه ابن أبي الدنيا، عن محمد بن الحسين، حدثنا هشام بن عبد الله الراوي، حدثنا أبو زيد الدمشقي، قال: لما ثقل عمر بن عبد العزيز دعي إليه طبيب، فساق. ورواه ابن الجوزي في كتاب الثبات من طريقه (وقيل: لما حضرته الوفاة بكى، فقيل: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ أبشر فقد أحيا الله سننا وأظهر بك عدلا فبكى، ثم قال: أليس أوقف فأسأل عن أمر هذا الخلق؟ فوالله لو عدلت فيهم لخفت على نفسي أن لا تقوم بحجتها بين يدي الله إلا أن يلقنها الله حجتها، فكيف بكثير مما صنعنا، وفاضت عيناه فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات) .

وقال محمود بن محمد بن الفضل، حدثنا الميموني، حدثني عبد الله بن كريم، عن أبي المليح، عن ميمون بن مهران، قال: كان أكثر دعاء عمر بن عبد العزيز بالموت، فقلت: له لا تفعل فقد أحيا الله بك سننا وأمات بك بدعا، فقال: ألا أكون كالعبد الصالح حين جمع الله شمله وأقر عينه، قال: رب توفني مسلما وألحقني بالصالحين .

قال الميموني وحدثني أبي، عن عمه عمر، وعن أبيه ميمون، قال: رأيت عمر بن عبد العزيز في مرضه، وأكثر دعائه الموت. فساقه نحوه، وزاد: فلما حضره الموت قال له مسلمة بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين إنا لا نصيب لك بدينارين إلا كفنا غليظا فازدد على ذلك، فقال: جئني به يا مسلمة، فنظر إليه ساعة، ثم قال: إن يكن عند ربي خير فلن يرضى لي به حتى يبدلني خيرا منه، وإن كان علي ساخطا فأوشك أن يسلبه أعنف السلب، ثم ما لي كسوة إلا النار، أعوذ بالله من سوء القضاء.

(ولما قرب وقت موته قال: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ثلاث مرات، ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه فأحد النظر، فقيل له في ذلك فقال: إني لأرى حضرة ما هم ناس ولا جن، ثم قبض) .

رواه أبو نعيم في الحلية، عن أبي حامد بن جبلة، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا عباس بن أبي طالب، حدثنا الحارث بن بهرام، حدثنا النضر، حدثني الليث بن أبي رقية، قال لما كان عمر بن عبد العزيز في مرضه الذي قبض فيه قال: أجلسوني فأجلسوه، فساقه، إلا أنه لم يقل ثلاث مرات .

ورواه محمود بن محمد في كتاب المتفجعين، عن محمد بن جبلة، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز حين احتضر قال لمن عنده: اخرجوا عني فإني أرى وجوها ليست بوجوه جن ولا إنس، فخرجوا فسمعوه يقول: تلك الدار الآخرة نجعلها الآية، ثم دخلوا فوجدوه مغمض العينين مسجى موجها .

ورواه ابن الجوزي في كتاب الثبات فقال: أخبرنا محمد بن الحسين الحاجي، أخبرنا أبو الحسين بن المهتدي، أنبأنا أبو أحمد [ ص: 326 ] محمد بن عبد الله بن جامع، أنبأنا محمد بن سعيد الحراني، حدثنا هلال بن العلا حدثني أبي، حدثنا عبد الرحمن بن عون الرقي، عن عبيدة بن حسان، قال: لما احتضر عمر بن عبد العزيز قال: اخرجوا عني فلا يبقى عندي أحد فخرجوا فقعدوا على الباب، فسمعوه يقول: مرحبا بهذه الوجوه ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم قال: تلك الدار الآخرة الآية، ثم هدأ الصوت، فقال مسلمة لفاطمة: قد قبض صاحبك، فوجدوه وقد قبض وغمض وسوي .

وقال: حدثنا الميموني، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث حدثني فضالة بن أبي سعيد، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز على المنبر قال: يا أهل الشام، إنه قد بلغني عنكم أحاديث، وما أنا بالراجي لخيركم ولا بالآمن لشركم، ولقد مللتموني ومللتكم، فأراحكم الله مني وأراحني منكم، ثم نزل، عن المنبر فما علاه حتى مات .

قال: وحدثني الميموني، حدثنا الواقدي، حدثني محمد بن مسلمة، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد القاري، أن عمر بن عبد العزيز أوصى بشعر من شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأظفار من أظفاره أن يجعل في كفنه، ففعلوا .

وقال الميموني: حدثني عبد الله بن كريم، عن أبي المليح، قال: أراد أهله أن يأخذوا ماءه ليروه إلياذدق الطبيب فأبى عليهم حتى أخذوه في طست، ثم جعل في زجاجة فأتوا به إلياذدق وهو لا يعرفه وقد غدا الناس عليه بمياه مرضاهم، فجعل يصف لكل إنسان ما يعالج به، فلما نظر إلى ماء عمر قال: سبحان الله، يا غلام، إن في هذا الماء لعجبا، هذا ماء رجل نقب الحزن عن كبده .

قال محمد بن محمد، وحدثنا محمد بن جبلة، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يحيى بن سعيد، قال: كان من دعاء عمر بن عبد العزيز: رب رضني بقضائك وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب لما عجلت تأخيرا ولا لما أخرت تعجيلا، حتى مات، وإنه ليقول: لقد أصبحت وما لي في الأمور هواء إلا مواقع قضاء الله فيها .

ومما يلحق به جماعة من هذا البيت

قال محمود بن محمد، حدثنا ابن جبلة، حدثنا ابن عائشة أن هشام بن عبد الملك لما احتضر نظر إلى أهله وحشمه يبكون عليه، فقال لهم: جاد لكم هشام بالدنيا، وجدتم عليه بالبكاء، فترك لكم ما جمع، وتركتم عليه ما احتمل، ما أعظم منقلبك يا هشام إن لم يغفر لك ربك الغفور الرحيم .

وقال أبو الحسن المدائني، عن عمرو بن مروان قال: لما أحيط بالوليد بن يزيد وعلم أنه مقتول، وضع المصحف في حجره، وقال يوم كيوم عثمان، فقتلوه واحتزوا رأسه، قال وحدثتني عالية السوداء، عن فاطمة بنت عبد الملك قالت: دخلت على يزيد بن الوليد، وهو يموت، فسألته عن وجعه، فأومأ إلى أرنبته، فقلت: يا يزيد، الحق من ربك فلا تكن من الممترين، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فكان آخر ما كلمني به حتى فارق الدنيا .

قال محمود: وحدثنا الحسن بن بشر بن الأخنس الأسدي، عن عبد الصمد، عن عبيد بن الضحضح الأسدي قال: كنت مع مروان بن محمد ببوصير حين لحقته خيول المسودة، فدعوه بالأمان، فلم يقبل، وشد عليه ثوبه وجعل يحمل، وهو يقول:


أذل الحياة وهو الممات وكلا أراه وخيما وبيلا فإن كان لا بد إحداهما
فسيري إلى الموت سيرا جميلا



إلى أن قتل، قتله رجل من أهل الكوفة يقال له: أبو رمانة، وعلى الجيش عامر بن إسماعيل المسلمي.

مضت بنو أمية، وشرع المصنف في بني العباس .

قال أبو الحسن المدائني، عن بكر بن عبد الله قال: دخلت على أمير المؤمنين أبي العباس فلقيني الطبيب فقال أصبح أمير المؤمنين صالحا، فقلت: يا أمير المؤمنين قد بشرني الطبيب بصلاحك، فقال: كيف يكون صالحا من هذا حاله، ورفع يده اليمين بيده اليسرى فتناثر لحمها على النطع، قال: وجعل يقول: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع يحيى بن محمد بأهل الموصل، ومما صنع عبد الله بن علي بنهر أبي نطرس، ومما صنع داود بن علي بكداء والطائف.

وقال محمود بن محمد بن الفضل، حدثنا محمد بن موسى بن داود العمي، حدثني على بن محمد بن سليمان النوفلي، حدثني أبي، قال: شهدت موت أبي جعفر المنصور، فدخلت عليه أنا ومحمد بن عون بن عبيد الله بن الحارث بن نوفل، فوجدناه قلقا، وقال: إذا كان غدا نقلني الفراشون نحو الطائف فما أحب أن أقيم عليلا في الحرم، كأنه استوبأها ورجا إن نقلته تكسبه عافية، ثم غدونا عليه، فإنا لوقوف على بابه إذ خرج أبو العنبر الخادم وجيبه مشقوق وعلى رأسه التراب وهاج، فدخلنا فإذا هو على سريره مكشوف الوجه، فدفناه ببئر ميمون .

وقال محمد بن موسى العمي، حدثني علي بن محمد العمي، حدثني أبي، قال: شهدت موت المنصور، فقال له عيسى بن ماهان، جد ربيعة: [ ص: 327 ] اعهد لابنك المهدي، فقال: تريدوني على مثل ما عمل عبد الملك بن مروان، حسبي ما جنيت على نفسي ويكفيني ما تقلدت من هذا الأمر وما في عنقي، ثم مات .

وقال العمي، عن عبيد الله بن سعد، عن صالح صاحب المصلحي، عن علي بن يقطين، قال: تغدينا مع المهدي في وقت الضحى، ثم نهض إلى رواق فنام فيه وتنحينا فانتهينا ببكائه، فدخلنا فزعين وسألناه عن ذلك، قال: قام على باب البهو شيخ لو كان بين ألف إنسان عرفته فقال:


كأني بهذا البهو قد باد أهله وأوحش منه ركنه ومنازله
وصار عميد القصر من بعد بهجة وملك إلى رس عليه جنادله
فلم يبق إلا ذكره وحديثه تنادي بليل معولات ثواكله

قال: فسليناه فلم يلبث إلا قليلا حتى خرج للصيد فاتبع طريدة فسقط وأقبل فرسه عائدا، فنظرناه فإذا هو ميت .

وقال صاحب صفوة التاريخ: كان سبب موت المهدي فيما حكي أن جارية حسناء أهدت إلى طلة ضرتها جاما فيه قطائف مسمومة فمر بالجام عليه فدعا بها فأخذ قطيفة منها فعضها وابتلع منها لقمة، ثم ردها وقال: احذروا أن تأكلوا منه شيئا فإنه مسموم، ودعا بكلب فأطعمه باقي القطيفة التي أكل منها فمات الكلب من ساعته، فأشير على المهدي أن يشرب من السمن ما أمكنه ويتقيأ ففعل وسكن عنه بلا قذف بعض ما كان يجده، وصلى بأصحابه الظهر والعصر والمغرب والعشاء الأخيرة، ثم التفت إليهم فقال: أستودعكم الله أرغب في حسن الخلافة عليكم، وأعظم الله أجركم في خليفتكم، فارتاعوا لذلك، وقالوا: نرجو أن يكون يومنا قبل يومك، فقال: حدثني المنصور، أن أباه محمد بن علي حدثه، عن أبيه، عن عبد الله بن عباس، أنه لما نزلت سورة: "إذا جاء نصر الله والفتح" قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نعيت إلي نفسي، قال المهدي: فكنت منذ سمعت هذا الحديث أتجنب قراءة هذه السورة في العلة، فلما بليت في يومي هذا بأكل هذا الطعام، ثم صليت بكم الظهر فأنسيت جميع ما أنزل الله بعد أم الكتاب خلا هذه السورة، فقرأتها وتطيرت ثم صليت الركعة الثانية فوالله ما انطلق لساني بغيرها، ثم كانت حالي في العصر والمغرب والعشاء مثل حالي في الظهر، فقلت: إن نفسي قد نعيت إلي، فلما انتصف الليل مات .

(وحكي عن هارون الرشيد أنه انتقى أكفانه بيده عند الموت، وكان ينظر إليها ويقول: ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه ) وكانت وفاته بطوس سنة 193 .

وروى علي بن محمد النوفلي، عن أبي جامع المروزي، عن أبيه قال :كنت فيمن جاء بأخي رافع بن الليث إلى الرشيد فأدخلناه إليه وهو على سريره والمرآة في يده وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أشد ما قد أثرت في العلة، ثم نظر إلى أخي رافع فقال: إني لأرجو كما لم تفتني أن لا يفوتني أخوك، والله لو لم يبق من أجلي إلا أن أحرك شفتي بقتلك لقلت اقتلوه، ثم دعا بقصاب فقال لا تشحذ مداك وفصله عضوا عضوا وعجل، لا يحضرني أجلي وعضو من أعضائه في جسده، ففصله حتى جعله أشلاء، ثم قال: اعدد ما فصلت منه فإذا أربعة عشر عضوا، فرفع يديه فقال: اللهم كما أمكنتني من ثأرك فمكني من أخيه، ثم مات بعد ساعة .

وقال العمي: حدثني كهلان، عن أبي الخطاب قال: أخبرني من شهد موت الرشيد، قال: لما اشتد به الوجع قال لعمر بن سادر اخرج إلى العراق وامض منها إلى الأهواز فاقتض أموال جبريل بن بختيشوع، ومال فرج الزخجي، ومال هارون بن أبان، فأرجو أن يكون عوضا من الأموال التي أنفقناها في سفرنا هذا، واعلم أني في أثرك لا بد لي من أن أنحدر إلى البصرة، فأطلب أحمد بن عيسى الطالبي فأقتله، ثم اعبر إلى عمان فاطلب بدم عيسى بن جعفر بن سليمان فإنه لم يطل دم رجل من أهل البيت قط، ومات بعد أربع ليال .

(وفرش) عبد الله (المأمون) بن الرشيد (رمادا واضطجع عليه، وكان يقول: يا من لا يزول ملكه، ارحم من قد زال ملكه) وكانت وفاته سنة 219 .

(وكان المعتصم) بالله أبو إسحاق محمد بن هارون (يقول عند موته: لو علمت أن عمري هكذا قصير ما فعلت ما فعلت) وكان قد استخلف عند موت أخيه المأمون وتوفي سنة 227 وكانت خلافته تسع سنين وعمره ثمانية وأربعون سنة .

(وكان المنتصر) بالله أبو جعفر محمد بن المتوكل أبي الفضل جعفر بن المعتصم (يضطرب على نفسه عند موته فقيل له: لا بأس عليك يا أمير المؤمنين، فقال: ليس إلا هذا، لقد ذهبت الدنيا وأقبلت الآخرة) وكانت ولايته في الليلة التي قتل فيها أبوه المتوكل ووفاته سنة 248، ومدة خلافته ستة أشهر .

(وقال عمرو بن العاص) -رضي الله عنه- (في الوفاة وقد نظر إلى صناديق [ ص: 328 ] لبنيه: من يأخذها بما فيها ليته كان بعرا) رواه هشام بن الكلبي، عن صالح بن كيسان، وقال أبو الحسن المدائني، أخبرني إسحاق بن أيوب، قال: لما حضر عبد الله بن عبد الملك بشر بمجيء مال له كان بمصر، فقال: ما لي وله، ليته كان بعرا حائلا بنجد .

(وقال الحجاج) بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي (عند موته: اللهم اغفر لي فإن الناس يقولون: إنك لا تغفر لي) وهذا لما كان فيه من سوء السيرة وثقل الوطأة وقبح السياسة وعسف الرعية والتهاون بالدماء وشدة الإقدام على سفكها على ما قد عرف وشهر وأحصي من قتل صبرا سوى من قتل في عساكره وبعوثه، فوجدوه مائة وخمسين ألفا، ومات في حبسه خمسون ألفا من الرجال وثلاثون ألفا من النساء، وكان حسبه فضاء مكشوفا ليس فيه سقف فيه يظل ولا شيء يستر من شمس ولا مطر ولا حر ولا قر، وكان هلاكه لأربع بقين من رمضان سنة 195 من ثلاث وخمسين سنة بواسط، ولما أتى الوليد بن عبد الملك نعيه وجم لذلك، وقال: يرحمك الله أبا محمد، والله لأشفعن لك عند الله يوم القيامة .

(فكان عمر بن عبد العزيز) رحمه الله (تعجبه هذه الكلمة منه ويغبطه عليها) رواه أبو نعيم في الحلية (ولما حكي ذلك للحسن) البصري -رحمه الله تعالى- (قال: أقالها؟ قيل: نعم، قال: عسى) أي: أن يغفر له، أي: نظرا إلى حسن ظنه بالله -عز وجل- .

قال محمود بن الفضل، حدثنا عبيد الله محمد، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا الماجشون، عن الزهري، قال: قال عمر بن عبد العزيز: ما أساء إلا على كلمة بلغني أن الحجاج قالها عند موته: اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تغفر لي .

قال: وحدثنا علي بن عثمان النوفلي حدثنا أبو مسهر، حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال عمر بن عبد العزيز: ما حسدت أحدا على شيء قط إلا الحجاج حسدته على اثنتين: حبه للقرآن وإعطائه عليه، وقوله عند موته: اللهم إن الناس يزعمون أنك لا تغفر لي فاغفر لي .

قال: وأخبرنا حبش بن موسى، أخبرنا المدائني، عن جويرية أن الحجاج قال عند الموت: اللهم اغفر لي فإن هؤلاء يزعمون أنك لا تغفر لي، فبلغت الحسن كلمته، قال: أوقالها؟ قالوا: نعم، قال: عسى .

قال: وحدثنا عبد الله بن الهيثم قال: أخبرنا الوليد بن هشام، قال: لما احتضر الحجاج جعل يقول: لئن كنت على ضلالة لبئس حين المنزع، ولئن كنت على هدى لنعم حين المجزع .




الخدمات العلمية