الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإذا وكله أن يسلم له عشرة دراهم في طعام فالطعام الدقيق والحنطة عندنا استحسانا وفي القياس هذا التوكيل باطل ) لأن اسم الطعام حقيقة لكل مطعوم بدليل ما لو حلف أن لا يأكل طعاما وما أوصى للإنسان بطعامه والمطعومات أجناس مختلفة وجهالة الجنس تمنع صحة الوكالة ولكن [ ص: 209 ] استحسن فقال : السلم بيع والطعام إذا أطلق عند ذكر البيع والشراء يراد به الحنطة ودقيقها فإن سوق الطعام الموضع الذي يباع فيه الحنطة ودقيقها وبائع الطعام من يبيع الحنطة ودقيقها دون من يبيع الفواكه وهذا لأن الشراء لا يتم إلا بالبائع فكل ما يسمي بائعه بائع الطعام يصير هو به مشتريا للطعام بخلاف الأكل فإنه يتم بالآكل والوصية تتم بالموصى فاعتبرنا فيهما حقيقة الاسم قالوا وهذا إذا كانت الدراهم كثيرة فأما إذا كانت قليلة فإنما ينصرف إلى الخبز فأما الدقيق ففيه روايتان وفي رواية هو بمنزلة الحنطة لأنه يذكر كما وهذا القياس والاستحسان ثابت في الوكيل بالشراء وإذا ثبت أن اسم الطعام يتناول الحنطة ودقيقها فالتوكيل صحيح لأنه إن كثرت الدراهم عرفنا أن مراده الحنطة فإذا قلت عرفنا أن مراده الدقيق والمعلوم دلالة كالمعلوم نصا فنقول إذا وكله بأن يسلم له دراهم في طعام فأسلم في شعير أو غيره فهو مخالف وللموكل أن يضمن الوكيل دراهمه لأن عقده نفذ على نفسه ثم قضى بدراهم الآمر دين نفسه وإن شاء الآمر أخذها من المسلم إليه لأن المقبوض من الدراهم عين ملكه فهو أحق به فإن أخذها من المسلم إليه يبطل السلم فيما بينه وبين الوكيل وإن كان قد فارقه لأن رأس المال استحق انتقض القبض فيه من الأصل وإن لم يكن فارقه حتى أعطاه مثلها كان السلم صحيحا بينهما لأن المقبوض لما استحق فكأنه لم يقبض إلى آخر المجلس وعقد السلم ما تعلق بعين تلك الدراهم بل تعلق بمثلها في ذمته وإن أخذها من الوكيل يبقى عقد السلم بينهما صحيحا لأنه يملك رأس المال بالضمان

وإذا وكله بأن يأخذه دراهم في طعام مسمى فأخذها الوكيل ثم دفعها إلى الموكل فالطعام على الوكيل وللوكيل على الموكل دراهم قرض لأن أصل التوكيل باطل فإن المسلم إليه أمره ببيع الطعام في ذمته ولو أمره أن يبيع عين ماله على أن يكون الثمن للآمر كان باطلا فكذلك إذا أمره أن يبيع طعاما في ذمته وهذا لأنه إنما يعتبر أمره فيما لا يملك المأمور بدون أمره وهو في قبول السلم في الطعام مستغن عن أمر الغير وقبول السلم من صنيع المفاليس فالتوكيل به باطل كالتكدي فالحاصل أن التوكيل من المسلم إليه بقبول عقد السلم باطل والتوكيل من رب السلم بإعطاء الدراهم في طعام السلم جائز وإذا بطل التوكيل كان الوكيل عاقدا لنفسه فيجب الطعام في ذمته ورأس المال مملوك له فإذا أسلمه إلى الآمر على وجه التمليك منه كان قرضا له عليه

التالي السابق


الخدمات العلمية