الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : أمة في يد رجل أقام رجل البينة أن قاضي بلد كذا قضى له بها على هذا الرجل بشهادة شهود شهدوا عنده ، وأقام ذو اليد البينة أنها أمته ولدت في ملكه فهذه المسألة على ثلاثة أوجه في وجه منها يقضي القاضي بها للمدعي بالاتفاق ، وهو إذا شهد شهود المدعي أن قاضي بلد كذا قضى له بها مطلقا ، ولم يزيدوا على هذا شيئا ; لأن من الجائز أن ذلك القاضي إنما قضى له بها بشهادة شهود شهدوا عنده أنه اشتراها من ذي اليد أو وهبها له فلا تكون بينة ذي اليد على الولادة في ملكه مبطلا لذلك ، وكذلك القضاء بل يكون مقررا له .

وكذلك إن فسر شهود القضاء بهذا التفسير فهو آكد في [ ص: 79 ] تنفيذ ذلك القضاء ، والوجهان الآخران أن يشهد شهود المدعي أن قاضي بلد كذا قضى له بها بشهادة شهود شهدوا عنده أنها مملوكته أو بشهادة شهود شهدوا عنده أنها أمته ولدت في ملكه فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله بينة المدعي أولى في هذين الفصلين ، ولا ينقض القاضي الثاني قضاء الأول وعلى قول محمد رحمه الله بينة ذي اليد على الولادة في ملكه أولى فيقضي بها له .

وجه قوله إن ذا اليد لو أقام هذه البينة عند القاضي الأول نقض الأول قضاءه ، وقضى بها لذي اليد فكذلك إذا أقامها عند الثاني ; لأن ثبوت قضاء الأول عند الثاني بالبينة لا يكون أقوى من مباشرته القضاء بنفسه ، وهذا ; لأن الشهود لما بينوا سبب العقار إلى احتمال التملك على اليد بسبب من جهته .

وجه قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله أن قضاء القاضي الأول نفذ بيقين فليس للثاني أن يبطله مع الاحتمال كما في الفصل الأول وبيان الاحتمال هنا إذا قالوا بشهادة شهود شهدوا عنده أنها مملوكته فيحتمل أنها مملوكته اشتراها من ذي اليد ، ولكنهم تركوا هذه الزيادة للتلبس على القاضي بأن قالوا بشهادة شهود شهدوا عنده أنها ولدت في ملكه فيحتمل أن ذي اليد كان أقام هذه البينة عند ذلك القاضي فتترجح شهادة بينة الخارج ، وقضى بها له ، وكان ذلك قضاء نافذا لا يجوز إبطاله بعد ذلك فلهذا لا ينقض الثاني قضاء الأول مع الاحتمال ومثل هذا الاحتمال لا يوجد إذا أقام ذو اليد بينة على الولادة عند القاضي الأول . وكذلك لو تنازعا فيها خارجان أقام كل واحد منهما البينة أنها أمته قضى له بها قاضي بلد كذا بشهادة شهود شهدوا عنده أنها له على هذا ، وأقام آخر البينة أنها أمته ولدت في ملكه فعند محمد رحمه الله يقضي بها لصاحب الولادة وعندهما يقضي بها لصاحب القضاء ; لأن مع الاحتمال لا يجوز نقض القضاء كما بينا

التالي السابق


الخدمات العلمية