الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
806 - ( 76 ) - حديث : { إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه }متفق عليه من حديث ابن عمر بهذا ، ولهما من حديث عمر : { الميت يعذب في قبره بما نيح عليه }. وفي رواية عنه : { إن الميت يعذب ببكاء الحي } ولمسلم عن أنس أن عمر قال لحفصة : أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { المعول عليه يعذب في قبره }. زاد ابن حبان قالت : بلى .

( تنبيه ) :

قال الخطابي : الصواب في هذه اللفظة أن يقال : بضم الميم وسكون [ ص: 280 ] العين المهملة وكسر الواو ، من أعول يعول إذا رفع صوته بالبكاء ، وهو العويل ، ومن شدده أخطأ ، انتهى . وجوز بعضهم التشديد ، ورواه الشيخان من حديث المغيرة بلفظ : { من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة }. لفظ مسلم .

وروى البزار من طريق عائشة قالت : لما مات عبد الله بن أبي بكر ، خرج أبو بكر ، فقال : إني أعتذر إليكم من شأن أولاء ، إنهن حديث عهد بجاهلية ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { الميت ينضح عليه الحميم ببكاء الحي عليه } ، انتهى . وفي إسناده محمد بن الحسن وهو المعروف بابن زبالة ، قال البزار : لين الحديث وكذبه غيره ، ولقد أتى في هذه الرواية بطامة ; لأن المشهور أن عائشة كانت تنكر هذا الإطلاق ، كما سيأتي .

وروى أحمد من طريق موسى بن أبي موسى الأشعري ، عن أبيه مرفوعا { الميت يعذب ببكاء الحي } ، إذا قالت الجماعة : واعضداه ، واناصراه ، واكاسباه جبذ الميت ، وقيل له : أنت كذلك ؟ " . ولابن ماجه نحوه ، ورواه الترمذي بلفظ : { ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول : واجبلاه واسنداه ونحوه إلا ويلزمه ملكان بلهازمه أهكذا أنت ؟ }.

ورواه الحاكم وصححه ، وشاهده في الصحيح عن النعمان بن بشير قال . أغمي على عبد الله بن رواحة ، [ ص: 281 ] فجعلت أخته تبكي وتقول : واجبلاه وكذا وكذا ، فلما أفاق قال : ما قلت شيئا إلا قيل لي أنت كذا ؟ فلما مات لم تبك عليه .

وروى ابن عبد البر من طريق ابن أملياء قال : ذكروا عند عمران بن حصين : الميت يعذب ببكاء الحي ، فقالوا : كيف يعذب ببكاء الحي ؟ فقال عمران : قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( فائدة ) :

اختلف الناس في تأويل هذا الحديث ، كما سيأتي في حديث عائشة ، واختار الطبري في تهذيبه : أن المراد بالبكاء ما كان من النياحة المنهي عنها ، وأن المراد بالعذاب الذي يعذب به الميت ، ما يناله من الأذى بمعصية أهله لله ، واختار هذا جماعة من الأئمة من آخرهم الشيخ تقي الدين بن تيمية ، والله أعلم .

807 - ( 77 ) - حديث عائشة : { رحم الله عمر ، والله ما كذب ، ولكنه أخطأ أو نسي ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية وهم يبكون عليها ، فقال : إنهم يبكون عليهم ، وإنها تعذب في قبرها } ، انتهى . وهذا اللفظ الذي أورده إنما قالته عائشة في الرد على ابن عمر وأما الرد على عمر فقالت : يرحم الله عمر ، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يعذب المؤمنين ببكاء أحد ، ولكن قال : { إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه }. وقد أنكر النووي على الرافعي ما أورده ، وقال : إنه تبع فيه الغزالي ، وهو غلط ، وقد روى عبد المحسن البغدادي من طريق حبيب بن أبي حبيب ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن عائشة ، بلغها أن ابن عمر يحدث عن أبيه : { إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه . فقالت : يرحم الله عمر وابن عمر ، والله ما هما بكاذبين . ولكنهما وهما } ، ولمسلم من طريق ابن أبي مليكة لما بلغها قول ابن عمر : إنكم لتحدثون عن غير [ ص: 282 ] كاذبين ولا مكذبين ، ولكن السمع يخطئ .

التالي السابق


الخدمات العلمية