الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 134 ] قوله تعالى: ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم اختلفوا فيمن نزلت على قولين .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنها نزلت في نفر من المهاجرين ، كانوا يحبون أن يؤذن لهم في قتال المشركين وهم بمكة قبل أن يفرض القتال ، فنهوا عن ذلك ، فلما أذن لهم فيه ، كرهه بعضهم . روى هذا المعنى أبو صالح ، عن ابن عباس ، وهو قول قتادة ، والسدي ، ومقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها نزلت واصفة أحوال قوم كانوا في الزمان المتقدم ، فحذرت هذه الأمة من مثل حالهم ، روى هذا المعنى عطية ، عن ابن عباس . قال أبو سليمان الدمشقي: كأنه يومئ إلى قصة الذين قالوا: ابعث لنا ملكا . وقال مجاهد: هي في اليهود .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما كف اليد ، فالمراد به: الامتناع عن القتال ، ذلك كان بمكة ، و"كتب" بمعنى: فرض ، وذلك بالمدينة ، هذا على القول الأول .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إذا فريق منهم في هذا الفريق ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنهم المنافقون . والثاني: أنهم كانوا مؤمنين ، فلما فرض القتال ، نافقوا جبنا وخوفا . والثالث: أنهم مؤمنون غير أن طبائعهم غلبتهم ، فنفرت [ ص: 135 ] نفوسهم عن القتال .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله يخشون الناس في المراد بالناس قولان . أحدهما: كفار مكة . والثاني: جميع الكفار .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أو أشد خشية قيل: إن "أو" بمعنى: الواو ، و "كتبت" بمعنى: فرضت . و "لولا" بمعنى: "هلا" . قال الفراء: إذا لم تر بعدها اسما ، فهي استفهام ، بمعنى: هلا ، وإذا رأيت بعدها اسما مرفوعا ، فهي التي جوابها اللام ، تقول: لولا عبد الله لضربتك . وقال ابن قتيبة: إذا رأيتها بغير جواب ، فهي بمعنى: "هلا" تقول: لولا فعلت كذا ، ومثلها "لولا" فإذا رأيت لـ "لولا" جوابا ، فليست بمعنى: "هلا إنما هي التي تكون لأمر يقع بوقوع غيره ، كقوله فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه [الصافات: 143] قلت: فأما "لولا" التي لها جواب فكثيرة في الكلام ، وأنشدوا في ذلك:


                                                                                                                                                                                                                                      لولا الحياء وأن رأسي قد عثا فيه المشيب لزرت أم القاسم



                                                                                                                                                                                                                                      وأما التي بمعنى: "هلا" فأنشدوا منها:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 136 ]

                                                                                                                                                                                                                                      تعدون عقر النبيب أفضل مجدكم     بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا



                                                                                                                                                                                                                                      أراد: فهلا تعدون الكمي ، والكمي: الداخل في السلاح .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الأجل القريب قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه الموت ، فكأنهم قالوا: هلا تركتنا نموت موتا ، وعافيتنا من القتل هذا قول السدي ، ومقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه إمهال زمان ، فكأنهم قالوا: هلا أخرت فرض الجهاد عنا قليلا حتى نكثر ونقوى ، قاله أبو سليمان الدمشقي في آخرين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: قل متاع الدنيا قليل أي: مدة الحياة فيها قليلة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولا تظلمون فتيلا قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: ولا يظلمون بالياء . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وعاصم: بالتاء ، وقد سبق ذكر المتاع والفتيل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية