الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ذكر المفسرون أن هذه [ ص: 396 ] الآية نزلت على أسباب ، روى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما بعثني الله برسالته ، ضقت بها ذرعا ، وعرفت أن من الناس من يكذبني" ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يهاب قريشا واليهود والنصارى ، فأنزل الله هذه الآية . وقال مجاهد: لما نزلت يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك قال: "يا رب كيف أصنع؟ إنما أنا وحدي يجتمع علي الناس" ، فأنزل الله وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس وقال مقاتل: لما دعا اليهود ، وأكثر عليهم ، جعلوا يستهزؤون به ، فسكت عنهم ، فحرض بهذه الآية . وقال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس فيرسل معه أبو طالب كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه الآية ، فقال: "يا عماه إن الله قد عصمني من الجن والإنس" . وقال أبو هريرة: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها ، فجاء رجل فأخذه ، فقال: يا محمد من يمنعني منك؟ فقال: "الله" ، فنزل قوله: والله يعصمك من الناس . قالت عائشة: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فقلت: ما شأنك؟ قال: ألا رجل صالح يحرسني الليلة ، فبينما نحن في ذلك إذ سمعت صوت السلاح ، فقال: "من هذا"؟ فقال: سعد وحذيفة جئنا نحرسك ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى [ ص: 397 ] سمعت غطيطه ، فنزلت والله يعصمك من الناس فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قبة أدم وقال: "انصرفوا أيها الناس ، فقد عصمني الله تعالى" . قال الزجاج : قوله: بلغ ما أنزل إليك معناه: بلغ جميع ما أنزل إليك ، ولا تراقبن أحدا ، ولا تتركن شيئا منه مخافة أن ينالك مكروه ، فإن تركت منه شيئا ، فما بلغت . قال ابن قتيبة: يدل على هذا المحذوف قوله: والله يعصمك وقال ابن عباس : إن كتمت آية فما بلغت رسالتي . وقال غيره: المعنى: بلغ جميع ما أنزل إليك جهرا ، فإن أخفيت شيئا منه لخوف أذى يلحقك ، فكأنك ما بلغت شيئا . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي: "رسالته" على التوحيد . وقرأ نافع: "رسالاته" على الجمع .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: والله يعصمك من الناس قال ابن قتيبة: أي: يمنعك منهم . وعصمة الله: منعه للعبد من المعاصي ، ويقال: طعام لا يعصم ، أي: لا يمنع من الجوع . فإن قيل: فأين ضمان العصمة وقد شج جبينه ، وكسرت رباعيته ، وبولغ في أذاه؟ فعنه جوابان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه عصمه من القتل والأسر وتلف الجملة ، فأما عوارض الأذى ، فلا تمنع عصمة الجملة . والثاني: أن هذه الآية نزلت بعدما جرى عليه ذلك ، لأن "المائدة" من أواخر ما نزل .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 398 ] قوله تعالى: إن الله لا يهدي القوم الكافرين فيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: لا يهديهم إلى الجنة . والثاني: لا يعينهم على بلوغ غرضهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية