الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن قلت : فهذا العقل إن كان عرضا فكيف خلق قبل الأجسام وإن كان جوهرا فكيف يكون جوهر قائم بنفسه ولا يتحيز فاعلم أن هذا من علم المكاشفة فلا يليق ذكره بعلم المعاملة وغرضنا الآن ذكر علوم المعاملة .

وعن أنس رضي الله عنه قال أثنى قوم على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى بالغوا فقال صلى الله عليه وسلم كيف عقل الرجل ، فقالوا : نخبرك عن اجتهاده في العبادة ، وأصناف الخير وتسألنا عن عقله ، فقال صلى الله عليه وسلم إن الأحمق يصيب بجهله أكثر من فجور الفاجر وإنما يرتفع العباد غدا في الدرجات الزلفى من ربهم على قدر عقولهم .

وعن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردي وما تم إيمان عبد ولا استقام دينه حتى يكمل عقله وقال صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ، ولا يتم لرجل حسن خلقه حتى يتم عقله ، فعند ذلك تم إيمانه وأطاع ربه وعصى عدوه إبليس .

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكل شيء دعامة ودعامة المؤمن عقله ، فبقدر عقله تكون عبادته أما سمعتم قول الفجار في النار لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير وعن عمر رضي الله عنه أنه قال لتميم الداري ما السؤدد فيكم ؟ قال : العقل قال صدقت ، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتك فقال كما قلت ، ثم قال : سألت جبريل عليه السلام : ما السودد ؟ فقال : العقل .

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : كثرت المسائل يوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الناس ، إن لكل شيء مطية ومطية المرء العقل وأحسنكم دلالة ومعرفة بالحجة أفضلكم عقلا وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة أحد سمع الناس يقولون فلان أشجع من فلان وفلان أبلى ما لم يبل فلان ونحو هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فلا علم لكم به قالوا : وكيف ذلك يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : إنهم قاتلوا على قدر ما قسم الله لهم من العقل ، وكانت نصرتهم ونيتهم على قدر عقولهم ، فأصيب منهم من أصيب على منازل شتى ، فإذا كان يوم القيامة اقتسموا المنازل على قدر نياتهم وقدر عقولهم .

وعن البراء بن عازب أنه صلى الله عليه وسلم قال جد الملائكة واجتهدوا في طاعة الله سبحانه وتعالى بالعقل وجد المؤمنون من بني آدم على قدر عقولهم فأعملهم بطاعة الله عز وجل أوفرهم عقلا وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت قلت : يا رسول الله بم يتفاضل الناس في الدنيا ؟ قال بالعقل ، قلت : وفي الآخرة ؟ قال : بالعقل ، قلت : أليس إنما يجزون بأعمالهم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : يا عائشة وهل عملوا إلا بقدر ما أعطاهم عز وجل من العقل ، فبقدر ما أعطوا من العقل كانت أعمالهم وبقدر ما عملوا يجزون وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكل شيء آلة وعدة وإن آلة المؤمن العقل ولكل شيء مطية ومطية المرء العقل ولكل شيء دعامة ودعامة الدين العقل ، ولكل قوم غاية وغاية العباد العقل ولكل قوم داع وداعي العابدين العقل ، ولكل تاجر بضاعة وبضاعة المجتهدين العقل ولكل أهل بيت قيم وقيم بيوت الصديقين العقل ، ولكل خراب عمارة ، وعمارة الآخرة العقل ، ولكل امرئ عقب ينسب إليه ويذكر به وعقب الصديقين الذي ينسبون إليه ويذكرون به العقل ، ولكل سفر فسطاط وفسطاط المؤمنين العقل وقال صلى الله عليه وسلم إن أحب المؤمنين إلى الله عز وجل من نصب في طاعة الله عز وجل ونصح لعباده ، وكمل عقله ، ونصح نفسه فأبصر وعمل به أيام حياته فأفلح وأنجح وقال صلى الله عليه وسلم : أتمكم عقلا ، أشدكم لله تعالى خوفا ، وأحسنكم فيما أمركم به ونهى عنه نظرا وإن كان أقلكم تطوعا .

التالي السابق


(فإن قلت: فهذا العقل إن كان عرضا فكيف خلق قبل الأجسام) ; لأن الأعراض لا تقوم بأنفسها، (وإن كان جوهرا فكيف يكون قائما بنفسه لا يتحيز فاعلم أن هذا في) مسائل (علم المكاشفة ولا ينبغي ذكره) ، وفي نسخة: ولا يليق ذكره، (بعلم المعاملة وغرضنا) الآن هنا (علم المعاملة) وهذا البحث قد أورده الراغب في الذريعة مختصرا فقال: العقل أول جوهر وجده الله تعالى وشرفه بدليل الحديث المرفوع: "أول ما خلق الله العقل" إلخ، ولو كان على ما توهمه قوم أنه عرض لما صح أن يكون أول مخلوق; لأنه محال وجود شيء من الأعراض قبل وجود جوهر يحمله اهـ .

وتحقيق المقام أن الجوهر ماهية، إذا وجدت في الأعيان كان لا في موضوع وهو منحصر في خمسة هيولى وصورة وجسم ونفس وعقل; لأنه إما أن يكون مجردا أولا والأول، إما أن لا يتعلق بالبدن تعلق تدبير وتصريف أو يتعلق والأقل العقل، والثاني النفس، وغير المجرد إما أن يكون مركبا أم لا، والأول الجسم، والثاني إما حال أو محل الأول الصورة، والثاني الهيولى، وتسمى الحقيقة فالجوهر ينقسم إلى بسيط روحاني، كالعقول والنفوس المجردة وإلى بسيط جسماني، كالعناصر وإلى مركب في العقل دون الخارج كالماهيات الجوهرية المركبة من الجنس والفصل وإلى مركب منهما، كالمولدات الثلاثة، (وقال) داود بن المحبر في كتاب العقل: حدثنا سلام بن المنذر عن موسى بن جابان، عن (أنس) بن مالك رضي الله عنه قال: (أثنى قوم على رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بالغوا) ولفظ داود: حتى أبلغوا في الثناء في خصال الخير (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف عقل الرجل، فقالوا: نخبرك عن اجتهاده في العبادة، وأصناف الخير وتسألنا عن عقله، فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الأحمق يصيب بجهله) كذا في النسخ وعند العراقي بحمقه (أعظم من فجور الفاجر وإنما يرتفع العباد غدا في الدرجات الزلفى) كذا في النسخ وعند العراقي زلفى، (من ربهم على قدر عقولهم) ولفظ داود: وينالون الزلفى من ربهم .

قال العراقي: سلام هو ابن أبي الصهباء ضعفه ابن معين، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وأما أحمد فقال: إنه حسن الحديث، ورواه الحكيم الترمذي في نوادره مختصرا قال: حدثنا مهدي، حدثنا الحسين عن عبد ربه، عن موسى بن أبان، عن أنس بن مالك رفعه: إن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنما يقرب الناس الزلف على قدر عقولهم، وفي إسناده جهالة، اهـ .

(وقال) داود بن المحبر أيضا في كتابه المذكور: حدثنا عباد عن زيد بن أسلم عن أبيه، عن (عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه، أن رسول [ ص: 456 ] الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما اكتسب رجل مثل فضل عقل) ولفظ داود: ما اكتسب أحد مكتسبا مثل فضل العقل (يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردي وما تم إيمان عبد ولا استقام دينه حتى يكمل عقله) .

قال العراقي: ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن داود بن المحبر اهـ، قلت: وأخرجه البيهقي عن عمر ولفظه: "ما اكتسب المرء مثل عقل يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردى". وأخرجه الطبراني في الأوسط عنه أيضا ولفظه: "ما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردى، ولا استقام دينه حتى يستقيم عقله" (وقال) داود بن المحبر أيضا في كتابه المذكور: حدثنا مقاتل بن سليمان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن (النبي صلى الله عليه وسلم) قال: (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم، ولا يتم لرجل حسن خلقه حتى يتم عقله، فعند ذلك يتم إيمانه) ، كذا في النسخ وعند العراقي: ثم إيمانه، (وأطاع ربه وعصا عدوه إبليس) ولفظ داود: يعني إبليس .

قال العراقي: ومقاتل بن سليمان المفسر ليس بشيء قاله يحيى بن معين، وقال الجوزجاني: كان دجالا جسورا، وقال البخاري: سكتوا عنه، وقال النسائي وابن حبان: كان يكذب، وقال ابن عيينة، سمعت مقاتلا يقول: إن لم يخرج الدجال في سنة خمسين ومائة فاعلموا أني كذاب فيقال له: قد علمنا ذلك، وأول الحديث صحيح، رواه أبو داود من رواية المطلب بن عبد الله بن حنطب عن عائشة دون قوله: ولا يتم، إلخ، وإسناده صحيح، اهـ .

قلت: وأخرج الطبراني في الكبير، عن أبي أمامة، بلفظ: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل الظامئ بالهواجر" وفيه عفير بن معدان، وهو ضعيف، ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة، وقال: هو على شرطهما، وأقره الذهبي في التلخيص، (و) قال داود بن المحبر أيضا في كتابه المذكور: حدثنا عباد، حدثنا سهل عن أبيه، (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه، (أنه صلى الله عليه وسلم قال: لكل شيء دعامة ودعامة المؤمن عقله، فبقدر عقله تكون عبادته) لربه عز وجل (أما سمعتم قول الفاجر) عند ندامته ( لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) قال البيضاوي: لو كنا نسمع كلام الرسل، فنقبله جملة من غير بحث وتفتيش اعتمادا على ما لاح من صدقهم بالمعجزات، أو نعقل فنفكر في حكمه ومعانيه فكر المستبصرين ما كنا في عداد أصحاب السعير، ومن جملتهم قال العراقي: ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن داود اهـ .

(و) قال داود بن المحبر أيضا في كتابه المذكور: حدثنا عباد عن زيد بن أسلم عن أبيه، (عن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه أنه قال لتميم) بن أوس بن خارجة (الداري) أبي رقية صحابي مشهور مات سنة أربعين (ما السودد فيكم؟) السودد كقنفذ بغير همز ومهموزا في لغة طيئ وكجندب السيادة والشرف، (قال: العقل قال) عمر: (صدقت، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتك فقال كما قلت، ثم قال: سألت جبريل عليه السلام: ما السودد؟ فقال: العقل) ، ولفظ داود: سألت جبريل عن مكارم الأخلاق، عن عبد الرحمن بن حمدان الجلاب عن الحارث، (و) قال داود بن المحبر أيضا في كتابه المذكور: حدثنا غياث بن إبراهيم عن الربيع بن لوط الأنصاري، عن أبيه عن جده (عن البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأوسي صحابي ابن صحابي نزل الكوفة مات سنة اثنتين وسبعين، (قال: كثرت المسائل يوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، ولفظ داود: كثرت المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، (فقال: يا أيها الناس، إن لكل شيء مطية وأحسنكم دلالة ومعرفة بالحجة أفضلكم عقلا) .

وعند العراقي: أحسنهم وأفضلهم بضمير الغائب في الموضعين، ولفظ داود: أن لكل شيء مطية وثيقة ومحجة واضحة وأوثق الناس مطية وأحسنهم دلالة ومعرفة بالحجة الواضحة أفضلهم عقلا، قال العراقي: ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن داود، وغياث بن إبراهيم النخعي أحد الوضاعين، (و) قال داود بن المحبر أيضا في كتابه المذكور: حدثنا عباد بن عبد الله بن طاوس، (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، (قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة أحد) وكانت في شوال سنة ثلاث من الهجرة (سمع الناس يقولون) : [ ص: 457 ] كان (فلان أشجع من فلان) زاد داود هنا: وكان فلان أجرأ من فلان، (وفلان أبلى) أي امتحن في ذات الله، (ما لم يبل غيره ونحو هذا) زاد داود: يطرونهم، (فقال النبي صلى الله عليه: أما هذا فلا علم لكم به) ، ولفظ داود: لا علم لكم به، (قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم قاتلوا على قد ما قسم الله لهم من العقل، وكانت نصرتهم ونيتهم على قدر عقولهم، فأصيب منهم من أصيب على منازل شتى، فإذا كان يوم القيامة اقتسموا المنازل على قدر نياتهم وقدر عقولهم) ، ولفظ داود على قدر حسن نياتهم .

قال العراقي: ولعله سقط منه ذكر طاوس، وإلا فعبد الله بن طاوس إنما روى عن التابعين، (و) قال داود بن المحبر أيضا في كتابه المذكور: حدثنا ميسرة، عن حنظلة بن وداعة الدولي عن أبيه، (عن البراء بن عازب) رضي الله عنهما، (أنه قال) ولفظ داود سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول (جد الملائكة واجتهدوا في طاعة الله سبحانه بالعقل وجد المؤمنون من بني آدم) ، زاد داود هنا: واجتهدوا في طاعة ربهم، (على قدر عقولهم فأعلمهم بطاعة الله عز وجل أوفرهم عقلا) .

قال العراقي: ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن داود، وهكذا غير داود عما حدث به ميسرة بن عبد ربه، فجعله داود عن البراء بن عازب، وإنما هو أبو عازب رجل آخر ذكر في الصحابة، هكذا رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، قال: حدثني محمد بن علي الجوزجاني، حدثنا حسين بن محمد أبو أحمد، حدثنا ميسرة بن عبد ربه، وحسين بن المروروذي البغدادي ما علمنا فيه جرحا، وقد أتاه أبو حاتم الرازي يسمع منه تفسير شيبان فلم يتفق فهو أولى من داود بن المحبر، والله أعلم اهـ .

قلت: وقد تقدم شيء من حال ميسرة وهو ميسرة بن عبد ربه الفارسي ثم البصري التراس إلا كال في الميزان، قال ابن حبان: كان يروي الموضوعات عن الأثبات وهو واضع أحاديث فضائل القرآن، وقال أبو داود: أقر بوضع الحديث، وقال أبو زرعة: وضع في فضل قزوين أربعين حديثا، وكان يقول: أحتسب في ذلك، (و) قال داود في كتابه المذكور أيضا: حدثنا ميسرة عن محمد بن زيد عن عمرو (عن عائشة رضي الله عنها، قالت قلت: يا رسول الله بم) وفي نسخة العراقي: بأي شيء (يتفاضل الناس في الدنيا؟ قال بالعقل، قلت: وفي الآخرة؟ قال: بالعقل، قلت: أليس إنما يجزون بأعمالهم؟) ولفظ داود: بقدر أعمالهم؟ (فقال: يا عائشة وهل عملوا إلا بقدر ما أعطاهم الله من العقل، فبقدر ما أعطوا من العقل كانت أعمالهم وبقدر ما عملوا يجزون) .

قال العراقي: رواه الحكيم الترمذي في نوادره، فقال: حدثنا محمد بن الحسن، حدثنا أبي عن هشام بن القاسم عن ميسرة عن عباد بن كثير، عن محمد بن زيد فزاد في إسناده، بين ميسرة ومحمد بن زيد عباد بن كثير، ولفظه: بأي شيء يتفاضل الناس؟ قال: بالعقل في الدنيا والآخرة، قلت: أليس يجزى الناس بأعمالهم؟ قال: يا عائشة، وهل يعمل بطاعة الله إلا من عقل فبقدر عقولهم، يعملون، وعلى قدر ما يعملون يجزون اهـ .

قلت: وفي اللآلئ المصنوعة للحافظ السيوطي الحارث بن أبي أسامة حدثنا داود بن المحبر، حدثنا عباد بن كثير عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، أنه دخل على عائشة، فقال: يا أم المؤمنين، الرجل يقل قيامه ويكثر رقاده، وآخر يكثر قيامه ويقل رقاده، أيهما أحب إليك؟ فقالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما سألتني فقال: أحسنهما عقلا، فقلت: يا رسول الله، أسألك عن عبادتهما؟ فقال: يا عائشة إنما يسألان عن عقولهما فمن كان أعقل، كان أفضل في الدنيا والآخرة، قال ابن الجوزي: موضوع .

(و) قال داود بن المحبر أيضا في كتابه المذكور: حدثنا ميسرة عن غالب عن ابن جبير، (عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل شيء آلة وعدة وإن آلة المؤمن العقل) ولفظ داود: وإن آلة المؤمن وعدته العقل، (ولكل شيء مطية ومطية المرء العقل) ، وفي نسخة العراقي: ومطية المؤمن العقل (ولكل شيء دعامة ودعامة الدين العقل، ولكل قوة) وفي بعض النسخ: قوم بدل قوة، وفي نسخة العراقي: ولكل شيء (غاية وغاية العباد) كذا في النسخ، وفي نسخة العراقي: العبادة، (العقل ولكل قوم داع وداعي العابدين) هكذا بالدال في سائر النسخ في الموضعين، وعند العراقي بالراء فيهما (العقل، ولكل تاجر بضاعة وبضاعة المجتهدين [ ص: 458 ] العقل ولكل أهل بيت قيم) كسيد وهو من يقوم بأمور البيت، (قيم بيوت الصديقين العقل، ولكل خراب عمارة، وعمارة الآخرة العقل، ولكل امرئ عقب ينسب إليه) ولفظ داود: عمل وعقب، ينسب إليه، (ويذكر به وعقب الصديقين الذي ينسبون إليه ويذكرون به العقل، ولكل سفر فسطاط) وهي الخيمة (وفسطاط المؤمنين العقل) ، ولفظ داود: ولكل سفر فسطاط يلجؤون إليه .

قال العراقي: ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن داود، (وقال) داود بن المحبر أيضا في كتابه المذكور، حدثنا ميسرة عن محمد، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (إن أحب المؤمنين إلى الله عز وجل من نصب في طاعة الله ونصح لعباده، وكمل عقله، ونصح نفسه) ، وعند داود بعد قوله: عقله، وتفقه وصح يقينه، (فأبصر وعمل به أيام حياته فأفلح وأنجح) ولفظ داود: وعمل لله بدل به .

قال العراقي: رواه الديلمي في مسند الفردوس من رواية حبيب كاتب مالك، عن محمد بن عبد السلام، عن الزهري، عن سالم عن أبيه، فجعله من حديث عبد الله بن عمر وحبيب بن أبي حبيب، كاتب مالك، متفق على ضعفه .

وقال أبو داود: كان من أكذب الناس اهـ .

قلت: وزاد في الميزان، قال ابن عدي: أحاديثه كلها موضوعة، وقال ابن حبان: كان يورق بالمدينة على الشيوخ، ويروي عن الثقات الموضوعات، كان يدخل عليهم ما ليس من حديثهم، (وقال) داود بن المحبر أيضا في كتابه المذكور: حدثنا ميسرة عن محمد بن زيد، عن أبي سلمة عن أبي قتادة، رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت قول الله عز وجل: أيكم أحسن عملا ؟ فقال (صلى الله عليه وسلم: أتمكم عقلا، أشدكم لله خوفا، وأحسنكم فيما أمركم به ونهى عنه نظرا) ، ولفظ داود: فيما أمر الله به، ونهى عنه، (وإن كان) ولفظ داود: وإن كانوا (أقلكم تطوعا) ، وأخرج ابن عدي من رواية محمد بن وهب الدمشقي، عن الوليد بن مسلم، عم مالك عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، رفعه: "أكمل الناس عقلا أطوعهم لله، وأعملهم بطاعته، وأنقص الناس عقلا أطوعهم للشيطان وأعملهم بطاعته"، قال في الميزان: هو حديث باطل آفته من محمد بن وهب، وقال الدارقطني: هو حديث غير محفوظ، والله أعلم .




الخدمات العلمية