الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وإذا فاتته ركعتا الفجر لا يقضيهما قبل طلوع الشمس ) لأنه يبقى نفلا مطلقا ، وهو مكروه بعد الصبح .

                                                                                                        [ ص: 180 ] ( ولا بعد ارتفاعها عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ، وقال محمد رحمه الله تعالى: أحب إلي أن يقضيهما إلى وقت الزوال ) لأنه عليه الصلاة والسلام قضاهما بعد ارتفاع الشمس غداة ليلة التعريس ، ولهما أن الأصل في السنة أن لا تقضى لاختصاص القضاء بالواجب ، والحديث ورد في قضائها تبعا للفرض ، فبقي ما رواه على الأصل ، وإنما تقضى تبعا له ، وهو [ ص: 181 ] يصلي بالجماعة أو وحده إلى وقت الزوال ، وفيما بعده اختلاف المشايخ رحمهم الله تعالى وأما سائر السنن سواها فلا تقضى بعد الوقت وحدها ، واختلف المشايخ رحمهم الله تعالى في قضائها تبعا للفرض .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثاني والعشرون بعد المائة : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الفجر بعد ارتفاع الشمس غداة ليلة التعريس } ، ثم قال المصنف : والحديث ورد بقضائها ، تبعا [ ص: 181 ] للفرض ، قلت : روي من حديث أبي قتادة ، ومن حديث ذي مخبر ، ومن حديث عمران بن حصين ، ومن حديث عمرو بن أمية الضمري ، ومن حديث جبير بن مطعم ، ومن حديث بلال ، ومن حديث أنس ، ومن حديث ابن مسعود ، ومن حديث ابن عباس ، ومن حديث مالك بن ربيعة السلولي ، ومن حديث أبي هريرة ، كما أخرجه مسلم ، عن أبي حازم عن { أبي هريرة ، قال : عرسنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ليأخذ كل إنسان برأس راحلته ، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان ، قال ففعلنا ، ثم دعا بالماء ، فتوضأ ، ثم صلى سجدتين ، ثم أقيمت الصلاة ، فصلى الغداة }انتهى .

                                                                                                        فحديث أبي قتادة : أخرجه مسلم في " صحيحه " عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن { أبي قتادة ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنكم تسيرون عشيتكم ، وتأتون الماء غدا إن شاء الله ، إلى أن قال : فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق ، فوضع رأسه ، ثم قال : احفظوا علينا صلاتنا ، فكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره ، قال : فقمنا فزعين ثم قال : اركبوا فركبنا ، فسرنا ، حتى إذا ارتفعت الشمس ، ثم نزل ، فدعا بميضأة ، كانت معي ، فيها شيء من ماء ، ثم قال لأبي قتادة : احفظ علينا ميضأتك ، فسيكون لها نبأ ، ثم أذن بلال بالصلاة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ، ثم صلى الغداة ، فصنع كما كان يصنع كل يوم } ، الحديث بطوله ، قال البيهقي في " المعرفة " : وقد رواه خالد بن سمير عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة ، وفيه : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فمن أدركته هذه الصلاة من غداة ، فليصل [ ص: 182 ] معها مثلها } ، هكذا أخرجه أبو داود في " سننه " ولم يتابع خالد على هذه الرواية معه ، وإنما اللفظ الصحيح فيه : { فإذا كان من الغداة فليصلها عند وقتها } ، كما رواه مسلم ، ولكن حمله خالد على الوهم ، وقد صرح في حديث عمران بن حصين : { أينهاكم الله عن الربا ، ويقبله منكم } ، كما سيأتي ، ونسب الشيخ في " الإمام " الوهم فيه للراوي عن خالد ، وهو الأسود بن شيبان ، ونقله عن البيهقي ، فليراجع ، وسمير : " بضم السين المهملة " ، ورباح : " بالموحدة " .

                                                                                                        وأما حديث ذي مخبر ، فرواه أبو داود في " سننه " من حديث حريز بن عثمان حدثني يزيد بن صليح { عن ذي مخبر الحبشي وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر ، قال : فتوضأ يعني النبي صلى الله عليه وسلم وضوءا لم يلث منه التراب ، ثم أمر بلالا ، فأذن ، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فركع ركعتين ، غير عجل ، ثم قال لبلال : أقم الصلاة ، ثم صلى ، وهو غير عجل }. انتهى ، وقد تقدم في " الأذان " .

                                                                                                        وأما حديث عمران بن حصين ، فأخرجه أبو داود أيضا عن الحسن عن عمران بن حصين بنحوه ، ورواه أحمد في " مسنده " . وابن حبان في " صحيحه " بزيادة فيه ، ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : حديث صحيح ، على ما قدمناه من صحة سماع الحسن من عمران ، وإعادته الركعتين ، لم يخرجاه انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ في " الإمام " : ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " ، ورجاله ثقات ، وليس في سماع ، الحسن من عمران ، فقد قال ابن أبي حاتم عن أبيه ، وابن معين أنهما قالا : لم يسمع منه ، وقال علي بن المديني أيضا إنه قال : لم يسمع منه انتهى . وقد تقدم في " الأذان " وأما حديث عمرو بن أمية الضمري ، فقد أخرجه أبو داود أيضا وقد تقدم أيضا .

                                                                                                        وأما حديث جبير بن مطعم ، فأخرجه النسائي عن حماد بن سلمة ثنا عمرو بن دينار [ ص: 183 ] عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فقال : من يكلؤنا الليلة ؟ فقال بلال : أنا ، فاستقبل مطلع الشمس ، فما أيقظهم إلا حر الشمس ، فقاموا ، فأذن بلال ، وصلوا الركعتين ، ثم صلوا الفجر ، }انتهى . ورواه أحمد في " مسنده " ، وكذا الطبراني في " معجمه " من طريق حماد بن سلمة .

                                                                                                        وأما حديث بلال ، فرواه الطبراني في " معجمه " . والبزار في " مسنده " ، قال البزار حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى . والفضل بن سهيل ، قالا : ثنا عبد الصمد بن النعمان ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازي عن يحيى بن سعيد بن المسيب عن بلال ، فذكره ، وقد تقدم . وأما حديث أنس ، فرواه البزار أيضا : حدثنا عمرو بن محمد بن محمد بن الحسن الأسدي ثنا أبي عن عتبة بن عمرو عن الشعبي عن { أنس ، قال : كنت مع رسول الله في سفر ، فقال : من يكلؤنا الليلة ؟ فقلت : أنا ، فنام ، ونام الناس ، فلم يستيقظ إلا بحر الشمس ، فقال أيها الناس ، إن هذه الأرواح عارية في أجساد العباد ، يقبضها ويرسلها إذا شاء ، فاقضوا حوائجكم على رسلكم ، فقضينا حوائجنا على رسلنا ، وتوضأنا ، وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ، وصلى ركعتي الفجر قبل الصلاة ، ثم صلى بنا ، }وقال : لا نعلم رواه عن الشعبي عن أنس إلا عتبة انتهى .

                                                                                                        وأما حديث ابن مسعود ، فرواه البيهقي في " كتاب الأسماء والصفات " أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن إسحاق البخاري المقري بالكوفة ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ثنا أحمد بن حازم ثنا عمرو بن حماد عن أسباط عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن { عبد الله بن مسعود ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له القوم : عرس بنا يا رسول الله ، فقال : من يوقظنا ؟ فقلت : أنا يا رسول الله ، فنمت ، وناموا ، فما استيقظنا إلا بحر الشمس في رءوسنا ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ ، وتوضأ القوم ، فصلى ركعتين ، ثم صلى الفجر }انتهى .

                                                                                                        وزاد في رواية ، { وقال : إن الله لو شاء لأيقظنا ، ولكنه أراد أن يكون لمن بعدكم ، فهكذا لمن نام ، أو نسي }انتهى .

                                                                                                        [ ص: 184 ] وأما حديث ابن عباس ، فرواه البزار أيضا : حدثنا محمد بن مرزوق بن بكير ثنا حربي بن حفص ثنا صدقة بن عباد عن أبيه عباد عن { ابن عباس ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير ، فنمنا عن الصلاة ، صلاة الغداة ، حتى طلعت الشمس ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا فأذن ، كما كان يؤذن ، وصلى ركعتي الفجر ، كما كان يصلي ، ثم صلى الغداة }. انتهى . وأما حديث مالك بن ربيعة السلولي ، فرواه النسائي في " سننه " أخبرنا هناد بن السري عن أبي الأحوص عن عطاء بن السائب عن { سعيد بن أبي مريم عن أبيه ، واسمه : مالك بن ربيعة السلولي قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأسرينا ليلة ، فلما كان في وجه الصبح ، نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام ، ونام الناس ، فلم يستيقظ إلا بالشمس قد طلعت علينا ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذن ، فأذن ، ثم صلى ركعتين قبل الفجر ، ثم أمره ، فأقام ، ثم صلى بالناس ، ثم حدثنا ما هو كائن ، حتى تقوم الساعة }. انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية