الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل .

وما حرم قتله ، فإنه يحرم قصد قتله بمباشرة أو تسبب ، ويحرم عليه تملكه باصطياد أو ابتياع أو اتهاب ، وسائر أنواع التملكات مثل كونه عوضا في صداق أو خلع أو صلح عن قصاص أو غير ذلك ; لأن الله قال ( ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ) فإن قبضه بعقد البيع فتلف في يده ضمنه بالجزاء ، وضمن القيمة لمالكه بخلاف ما قبضه بعقد الهبة ، ومتى رده على البائع والواهب زال الضمان .

فأما ملكه بالإرث : ففيه وجهان .

وإذا اصطاده ولم يرسله حتى حل : فعليه إرساله ; لأنه لم يملكه بذلك الاصطياد ، فإن لم يفعل حتى تلف في يده فعليه ضمانه ، وإن ذبحه بعد التحلل فهو ميتة نص عليه - في رواية ابن القاسم وسندي - وهو قول ابن أبي موسى والقاضي .

[ ص: 150 ] وقال أبو الخطاب وابن عقيل : يباح أكله وعليه ضمانه ; لأنه ذبيحة حلال ، أكثر ما فيه أنه كالغاصب فيجب عليه قيمته .

والأول : أجود ; لأنه ممنوع لحق الله .

وإذا أحرم وفي ملكه صيد ليست يده الحسية عليه ، بأن يكون في مصرة غائبا عنه : فملكه باق عليه ، ولا يلزمه إرساله . وإن كانت يده المشاهدة الحسية عليه بأن يكون مربوطا معه حال الإحرام ، أو هو في قفصه أو في يده ، فإنه يجب عليه إزالة يده عنه في ظاهر المذهب .

قال - في رواية ابن القاسم وسندي - في رجل أحرم وفي يده صيد يرسله ، فإن كان في منزله ليس عليه ، وقد كان عبد الله بن الحارث يحرم وفي بيته النعام ، فإن لم يفعل فأزال يده إنسان فلا شيء عليه ; لأنه قد فعل ما يجب عليه ، فأشبه ما لو أزال يده عن المكاتب .

وأما ملكه فلا يزول عنه فيما ذكره أصحابنا .

فإن لم يرسله حتى حل لم يجب عليه إرساله بخلاف ما اصطاده في [ ص: 151 ] الإحرام ، ذكره أصحابنا ; لأن ما حرم استدامته من المحظورات لا يجب إزالته إذا استدامه في الحلال كاللباس والطيب .

وقال ابن أبي موسى : لو اصطاد محرم صيدا فأمسكه حتى حل من إحرامه لزمه إرساله واجبا ، فإن تلف في يده أو ذبحه بعد الإحلال فعليه جزاؤه ، ولا يحل له أكله ، وكذلك لو أحرم وفي يد المملوك صيده لزمه إرساله .

وظاهره الفرق . فإن أراد أن يبيع الصيد أو يهبه ، فقال القاضي - في خلافه - : لا يصح ذلك ; لأن في ذلك تصرف فيه ; لأنه عاجز شرعا عن نقل الملك فيه .

فعلى هذا هل له أن يعيره ؟

وقال القاضي - في المجرد - وابن عقيل وغيرهما من أصحابنا : يجوز أن يبيعه ويهبه ; لأنه إخراج له عن ملكه فأشبه إزالة يده عنه ، ولأن إزالة الملك أقوى من إزالة اليد ، ولهذا نقول في العبد الكافر إذا أسلم عند سيده الكافر فإنه ممنوع من إقرار يده عليه وله أن يبيعه لمسلم ويهبه له ، هذا إذا لم تكن يده المشاهدة عليه ، فأما إن كانت اليد الحسية عليه لم يصح بيعه ولا هبته ; لأنه مأمور في الحال برفع يده عنه .

[ ص: 152 ] وذكر ابن عقيل - في موضع آخر - : أن له أن يعتبره من حلال ; لأنه إخراج له عن يده ، وهذا يلائم حاله فعلى هذا ....

وإذا باعه ثم أراد فسخ البيع لإفلاس المشتري أو لعيب في الثمن أو لخيار شرط ونحو ذلك : لم يكن له ذلك فيما ذكره أصحابنا ; لأنه ابتداء بملك إلا أن نقول إن الملك لا ينتقل إلى المشتري ، فيكون مثل الرجعة للزوجة فيما ذكره بعض أصحابنا ، وغيره أطلق المنع .

فأما إن كان المشتري حلالا وأراد رده على البائع المحرم بعيب أو خيار ونحو ذلك : فله ذلك . قاله ابن عقيل ..

فإذا صار في يد البائع لزمه إطلاقه لأجل إحرامه ، ويتخرج إذا قلنا : لا يورث .

وإن كان المشتري محرما فأراد رده على بائع محرم أو حلال بعيب ، أو خيار ونحو ذلك : فهو كابتداء بيعه على ما تقدم فيما ذكره ابن عقيل ، فإن كانت يده المشاهدة عليه : لم يجز وإلا جاز على ما ذكره القاضي وابن عقيل ، وعلى قول القاضي في خلافه : لا يجوز مطلقا وعلى قول ...

ومن هذا الباب لو أراد الواهب أن يسترجعه لم يكن له ذلك ، وإذا طلق [ ص: 153 ] امرأته وهو محرم والصداق صيد ، لم يمنع من طلاقها ، لكن هل يدخل نصف الصداق في ملكه ؟ .....

التالي السابق


الخدمات العلمية