الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الفصل الرابع )

أنهم يسيرون من منى إلى عرفات - ولا يقفون عند المشعر الحرام كما كانت الجاهلية تفعل - فينزلون قبل الزوال بنمرة ، ومن أصحابنا من قال : ينزلون بعرفة .

قال أبو عبد الله - في رواية المروذي - : ثم يغدو - يعني بعد المبيت [ ص: 490 ] بمنى - إلى عرفات ويقول : اللهم إليك توجهت وعليك اعتمدت ، ووجهك أردت ، أسألك أن تبارك لي في سفري وتقضي حاجتي وتغفر لي ذنوبي ، اللهم إني لك أرجو وإياك أدعو ، وإليك أرغب فأصلح لي شأني كله من الآخرة والدنيا .

قال جابر بن عبد الله : " فلما كان يوم التروية : توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر تضرب بنمرة ، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصوى فرحلت له ، فأتى بطن الوادي فخطب الناس ، فقال : إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث - كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل - وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربانا ; ربا العباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولكم عليهن [ ص: 491 ] رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله ، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ثلاث مرات ، ثم أذن ، ثم أقام الصلاة فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الموقف " رواه مسلم وغيره .

وعن ابن عمر قال : " غدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة ، فنزل بنمرة وهي منزل الإمام الذي ينزل فيه بعرفة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ، ثم خطب الناس ثم راح فوقف على الموقف من عرفة " رواه أحمد وأبو داود .

وقد روى الأزرقي عن ابن جريج قال : " سألت عطاء أين كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل يوم عرفة ؟ قال : بنمرة منزل الخلفاء إلى الصخرة الساقطة بأصل الجبل عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفات يلقى عليها ثوب يستظل به - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 492 ] قال الأزرقي : نمرة هو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من مأزمي عرفة تريد الموقف ، وتحت جبل نمرة غار أربع أذرع في خمس أذرع ، وذكروا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينزله يوم عرفة حتى يروح إلى الموقف ، وهو منزل الأئمة اليوم ، والغار داخل في جدار دار الإمارة في بيت في الدار .

وروى أبو داود في مراسيله عن ابن جريج ، ثنا أبان بن سلمان : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل يوم عرفة عند الصخرة المقابلة منازل الأمراء - يوم عرفة - التي بالأرض في أسفل الجبل ، وستر إليها بثوب عليه " .

وأما سلوكه من منى إلى عرفة : فقال القاضي في الأحكام السلطانية : يستحب للإمام في الحج أن يخرج في اليوم الثامن من مكة فينزل بخيف بني [ ص: 493 ] كنانة حيث نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويبيت بها ويسير بهم من غده وهو اليوم التاسع - مع طلوع الشمس إلى عرفة - على طريق ضب ، ويعود على طريق المأزمين اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليكون عائدا في غير الطريق التي صدر منها ، فإذا أشرف على عرفة نزل ببطن نمرة ، وأقام به حتى تزول الشمس ثم سار منه إلى مسجد إبراهيم - عليه السلام - بوادي عرفة .

وقال الأزرقي : ضب طريق مختصرة من المزدلفة إلى عرفة ، وهي في أصل المأزمين عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة ، وقد ذكروا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلكها حين عدل من منى إلى عرفة قال ذلك بعض المكيين .

وروى بإسناده عن ابن جريج قال : " سلك عطاء طريق ضب ، قال : هي طريق موسى بن عمران " .

وفي رواية فقيل له في ذلك : فقال : " لا بأس إنما هي طريق " .

[ ص: 494 ] والسنة أن ينزل الناس بنمرة وهي من الحل ، وليست من أرض عرفات وبها يكون سوقهم .

وأما أرض عرفات فليست السنة أن ينزل بها ، ولا يباع فيها ولا يشترى وإنما تدخل وقت الوقوف .

التالي السابق


الخدمات العلمية