الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل )

وأما التمتع فلا بد له من طواف للعمرة وسعي لها ، وهل عليه سعي آخر للحج ؟ على روايتين منصوصتين : إحداهما : عليه سعيان كما عليه طوافان ، قال في رواية الأثرم : القارن يجزئه طواف واحد وسعي واحد ، والمتمتع طوافان وسعيان .

[ ص: 565 ] وقال - في رواية حنبل - وقد سئل عن القارن كم يطوف ويسعى بين الصفا والمروة - فقال : يجزئه طواف واحد إذا دخل بالحج والعمرة ، فإن دخل متمتعا بعمرة ثم حج فأرى أن يسعى سعيا للعمرة وسعيا للحج . هذا هو المعروف عند أصحابنا .

والرواية الثانية : يكفيه سعي واحد ، قال عبد الله بن أحمد : قلت لأبي : المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة ؟ قال : إن طاف طوافين فهو أجود ، وإن طاف طوافا واحدا فلا بأس ، وإن طاف طوافين فهو أعجب إلي ، واحتج بحديث جابر : " لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا ؛ طوافه الأول " .

وقال المروذي : قال أبو عبد الله : إن شاء القارن طاف طوافا واحدا ، وإن شاء المتمتع طاف طوافا واحدا .

وهذا هو الصواب بلا شك ; لحديث جابر المذكور ، وكذلك عامة الأحاديث ، فيها أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما طافوا بين الصفا والمروة الطواف الأول ، ومن قال من أصحابنا : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متمتعا . فهذا لازم له ; لأن الأحاديث الصحيحة لم تختلف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسع بين الصفا والمروة إلا مرة واحدة ، وأنه لما طاف طواف الإفاضة لم يسع بعده ، وهذا بين في حديث ابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة ، وجابر ، وغيرهم ، وقد تقدم كثير من ذلك فيما مضى .

[ ص: 566 ] وعن جابر قال : " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلين بالحج مع النساء والولدان ، فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبين الصفا والمروة ، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من لم يكن معه هدي فليحلل ، قال : فقلنا : أي الحل ؟ قال : الحل كله . فأتينا النساء ، ولبسنا الثياب ، ومسسنا الطيب ، فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج ، وكفانا الطواف الأول بين الصفا والمروة " رواه مسلم وأبو داود ، وهذا نص في أنهم تمتعوا واكتفوا بطواف واحد بين الصفا والمروة .

فإن قيل : فحديث عائشة الذي قالت فيه : " فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا " .

وكذلك حديث ابن عباس المتقدم : " ولأنكم قد استحببتم طوافين ، وإذا كان الصحابة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اقتصروا على طواف واحد ، فلا معنى لاستحباب الزيادة عليهم .

قلنا : لعل جابرا أخبر عن بعض المتمتعين ، وعائشة أخبرت عن بعضهم ، فإنهم كانوا خلقا كثيرا ، فأخبر جابر عما فعله هو ومن يعرفه ، وأخبرت عائشة عما فعله من تعرفه ، والله أعلم بحقيقة الحال ، على أن أحاديث جابر وأصحابه مفسرة واضحة لا احتمال فيها .

وإنما استحب أحمد الطوافين ؛ لحديث ابن عباس وعائشة ؛ ولأنه أحوط وأتم ، وأيضا فإن المتمتع إنما يفعل عمرة في حجة ؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنه قد أدخل عليكم في حجكم عمرة " فهو حاج من حين يحرم بالعمرة ، بخلاف العمرة المفردة ، فذلك السعي يجزئ عن عمرته وحجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية