الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومذهب النفاة أبعد في العقل من مذهب الحلولية ، ولهذا إذا ذكر القولان لأهل الفطر السليمة نفروا عن قول النفاة أعظم من نفورهم عن قول الحلولية، وكذلك ما ذكره من امتناع النهاية من بعض الجوانب دون بعض، فإن هذا قاله طائفة ممن يقول: إنه على العرش .

وقول هؤلاء وإن قيل إنه باطل ، فقول النفاة أبطل منه. أما احتجاجه على هؤلاء بأن اختصاص أحد الطرفين بالنهاية دون الآخر محال لعدم الأولوية ، أو لافتقاره إلى مخصص من خارج، فيقولون له: أنت دائما تثبت تخصيصا من هذا الجنس ، كما تقول: إن الإرادة تخصص أحد المثلين لا لموجب، فإذا قيل لك : هذا يستلزم ترجيح أحد المتماثلين بلا مرجح. قلت : هذا شأن الإرادة ، والإرادة صفة من صفاته، فإذا كانت ذاته مستلزمة لما من شأنه ترجيح أحد المثلين لذاته بلا مرجح، فلأن تكون ذاته تقتضي ترجيح أحد المثلين بلا مرجح أولى .

وهذا للمعتزلة والفلاسفة ألزم ، فإن المعتزلة يقولون : إن القادر المختار يرجح بلا مرجح ، والفلاسفة يقولون : مجرد الذات اقتضت ترجيح الممكنات بلا مرجح آخر. فقد اتفقوا كلهم على أن الذات توجب الترجيح لأحد المتماثلين بلا مرجح، فكيف يمكنهم مع هذا أن يمنعوا كونها تستلزم تخصيص أحد الجانبين بلا مخصص ؟ [ ص: 208 ]

ولو قال لهم منازعهم: الموجودان القائمان بأنفسهما لا بد أن يكون بينهما حد وانفصال ، فعلمنا التناهي من جانب هذا الموجود ، وأما الجانب الآخر فلا نعلم امتناعه إلا إذا علمنا امتناع وجود أبعاد لا تتناهى ، وهذا غير معلوم لنا ، أو هو باطل لكان قولهم أقوى من قولهم .

والمقصود هنا أن غايتهم في إبطال قول هؤلاء أن ينتهوا إلى إبطال بعد لا يتناهى، أو إلى عدم الأولوية ، أو وجوب المخالطة .

وهذه المقدمات يمكن منازعوهم أن ينازعوهم فيها أعظم مما يمكنهم هم منازعة أولئك في مقدمات حجتهم، ويرد عليهم من المناقضات والمعارضات أعظم مما يرد على أولئك ، وهذا مبسوط في موضعه .

فهذه الحجة وأمثالها من حجج النفاة يمكن إبطالها من وجوه كثيرة: بعضها من جهة المعارضة بأقوال أهل باطل آخر، وبيان أنه ليس قول أولئك بأبطل من قول هؤلاء ، فإذا لم يمكن الاستدلال على نفي أحد القولين إلا بالمقدمة التي بها نفي القول الآخر ، لم يكن نفي أحدهما أولى من نفي الآخر ، بل إن كانت المقدمة صحيحة لزم نفيهما جميعا ، وإن كانت باطلة لم تدل على نفي واحد منهما، فكيف إذا كانت [ ص: 209 ] المقدمة التي استدل بها المستدل على نفي قول منازعه قد قال بها وبما هو أبلغ منها؟ وبعض ما تبطل به هذه الحجة يكون من جهة أهل الحق الذين لم يقولوا باطلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية