الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله : "وإن كان الاشتراك بوجوب الوجود فهو ممتنع لوجهين : الوجه الأول : أن المشترك إما أن يتم بدون ما به الافتراق ، وذلك محال ، وإلا كان المطلق متحققا في الأعيان من غير مخصص ، وإن لم يتم إلا بما به الافتراق كان وجوب الوجود ممكنا لافتقاره في تحققه إلى غيره" .

قلنا : أن أريد بالمشترك بينهما المعنى المطلق الكلي فذاك لا يفتقر إلى ما به الامتياز ، وليس له ثبوت في الأعيان حتى يقال : إنه يلزم أن يكون [ ص: 257 ] المطلق في الأعيان من غير مخصص ، وإن أريد به ما يقوم بكل منهما من المشترك ، وهو ما يوجد في الأعيان من الكلي ، فذاك لا اشتراك فيه في الأعيان ، فإن كل ما لأحدهما فهو مختص به لا اشتراك فيه .

وحينئذ فالموجود من الوجوب هو مختص بأحدهما بنفسه ، لا يفتقر إلى مخصص ، فلا يكون الوجوب الذي لكل منهما في الخارج مفتقرا إلى مخصص ، وإذا لم يكن ذلك بطل ما احتجوا به على كونه ممكنا . وأما المشترك الكلي المطلق من الوجوب فذاك ليس موجودا لهذا ولا لهذا ، ولا متحققا في الأعيان . وحينئذ فلا يلزم أن الكلي يتحقق في الأعيان بلا مخصص .

وأيضا فيقال : هب أن المشترك لا يتحقق في الأعيان إلا بالمختص ، فهذا لا يمنع وجوب وجوده ، إذ الواجب هو ما لا فاعل له ، ليس هو ما لا لازم ولا ملزوم له .

وهذا الآمدي ذكر هذا فيما تقدم ، وبين أن الوجود الواجب لا يمتنع توقفه على القابل ، وإنما يمتنع توقفه على الفاعل .

وبهذا يبطل الوجه الثاني وهو كون الوجود الواجب مركبا مما به [ ص: 258 ] الاشتراك وما به الامتياز ، [فإن ما به الاشتراك لم يوجد في الخارج ، وما به الامتياز لم يقع فيه اشتراك ، فليس في أحدهما ما به الاشتراك وما به الامتياز] ، ولكن كل منهما موصوف بصفة يشابه بها الآخر وهو الوجوب ، واتصاف الموصوف بصفة يشابه بها غيره من وجه وأمر يختص به ، إنما يوجب ثبوت معان تقوم به ، وأن ذاته مستلزمة لتلك المعاني ، وهذا لا ينافي وجوب الوجود ، بل لا يتم وجوب الوجود إلا به ، ولو سلم أن مثل هذا تركيب فلا نسلم أن مثل هذا التركيب ممتنع ، كما تقدم بيانه .

فقد تبين بطلان الوجه الأول من وجهين ، وبطلان الوجه الثاني من وجهين ، غير ما ذكروه ، والله أعلم .

والوجه الأول من الوجهين هو الذي اعتمده ابن سينا في إشارته ، وقد بسطنا الكلام عليه في جزء مفرد ، شرحنا فيه أصول هذه الحجة التي دخل منها عليهم التلبيس في منطقهم وإلهياتهم ، وعلى من اتبعهم كالرازي والسهروردي والطوسي وغيرهم .

وقد ذكرنا عنه هناك جوابين :

أحدهما : أن هؤلاء عمدوا إلى الصفات المتلازمة في العموم ، والخصوص ، ففرضوا بعضها مختصا ، وبعضها عاما بمجرد التحكم ، كالوجود والثبوت ، والحقيقة والماهية ، ونحو ذلك . [ ص: 259 ]

فإذا قيل : الواجب والممكن كل منهما يشارك الآخر في الوجود ، ويفارقه بحقيقته أو ماهيته .

قيل لهم : معنى الوجود يعمهما ومعنى الحقيقة يعمهما ، وكل منهما يمتاز عن الآخر بوجوده المختص به ، كما يمتاز عنه بحقيقته التي تختص به ، فليس جعل هذا مشتركا وهذا مختصا بأولى من العكس .

وهكذا إذا قدر واجبان لكل منهما حقيقة فهما مشتركان في مطلق الوجوب ومطلق الحقيقة ، وكل منهما يمتاز عن الآخر بما يخصه من الوجوب والحقيقة . فما قلتم به الامتياز متلازم ، وما قلتم به الاشتراك متلازم ، ولا يفتقر ما جعلتم به الاشتراك إلى ما جعلتم به الامتياز ، ولا ما جعلتم به الامتياز إلى ما جعلتم به الاشتراك ، بل كل منها موصوف بما به الامتياز ، وهو ما يخصه . وتلك الخصائص تشابه خصائص الآخر من بعض الوجوه ، فذلك القدر المشترك الذي لا يختص بأحدهما هو ما به الاشتراك .

فإذا قيل : هذا لون وهذا لون ، كانت لونية كل منهما مختصة به ، واللونية العامة مشتركة بينهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية