الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في هذه الآية وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول - وهو الأصح - أنه نهى الشاهد عن الامتناع عن أداء الشهادة عند احتياج صاحب الحق إليها .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن المراد تحمل الشهادة على الإطلاق ، وهو قول قتادة واختيار القفال ، قال : كما أمر الكاتب أن لا يأبى الكتابة ، كذلك أمر الشاهد أن لا يأبى عن تحمل الشهادة ؛ لأن كل واحد منهما يتعلق بالآخر ، وفي عدمهما ضياع الحقوق .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن المراد تحمل الشهادة إذا لم يوجد غيره . الرابع : وهو قول الزجاج : أن المراد بمجموع الأمرين التحمل أولا ، والأداء ثانيا .

                                                                                                                                                                                                                                            واحتج القائلون بالقول الأول من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن قوله : ( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) يقتضي تقديم كونهم شهداء ، وذلك لا يصح إلا عند أداء الشهادة ، فأما وقت التحمل فإنه لم يتقدم ذلك الوقت كونهم شهداء .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : يشكل هذا بقوله ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) وكذلك سماه كاتبا قبل أن يكتب .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : الدليل الذي ذكرناه صار متروكا بالضرورة في هذه الآية فلا يجوز أن نتركه لعلة ضرورة في تلك الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن ظاهر قوله : ( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) النهي عن الامتناع ، والأمر بالفعل ، وذلك للوجوب في حق الكل ، ومعلوم أن التحمل غير واجب على الكل ، فلم يجز حمله عليه ، وأما الأداء بعد التحمل فإنه واجب على الكل ، ومتأكد بقوله تعالى : ( ولا تكتموا الشهادة ) [ البقرة : 283 ] فكان هذا أولى .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن الأمر بالإشهاد يفيد أمر الشاهد بالتحمل من بعض الوجوه ، فصار الأمر بتحمل الشهادة داخلا في قوله : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) فكان صرف قوله : ( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) إلى الأمر بالأداء حملا له على فائدة جديدة ، فكان ذلك أولى ، فقد ظهر بما ذكرنا دلالة الآية على أنه يجب على الشاهد أن لا يمتنع من إقامة الشهادة إذا دعي إليها .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 101 ] واعلم أن الشاهد إما أن يكون متعينا ، وإما أن يكون فيهم كثرة ، فإن كان متعينا وجب عليه أداء الشهادة ، وإن كان فيهم كثرة صار ذلك فرضا على الكفاية .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قد شرحنا دلالة هذه الآية على أن العبد لا يجوز أن يكون شاهدا فلا نعيده .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالثة : قال الشافعي رضي الله عنه : يجوز القضاء بالشاهد واليمين ، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لا يجوز ، واحتج أبو حنيفة بهذه الآية فقال : إن الله تعالى أوجب عند عدم شهادة رجلين شهادة الرجل والمرأتين على التعيين ، فلو جوزنا الاكتفاء بالشاهد واليمين لبطل ذلك التعيين ، وحجة الشافعي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين ، وتمام الكلام فيه مذكور في خلافيات الفقه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية