الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) وأكثر المفسرين قالوا : المراد أن الكتابة وإن رفعت عنهم في التجارة إلا أن الإشهاد ما رفع عنهم ؛ لأن الإشهاد بلا كتابة أخف مؤنة ، ولأن الحاجة إذا وقعت إليها لا يخاف فيها النسيان .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه لا شك أن المقصود من هذا الأمر الإرشاد إلى طريق الاحتياط .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) واعلم أنه يحتمل أن يكون هذا نهيا للكاتب والشهيد عن إضرار من له الحق ، أما الكاتب فبأن يزيد أو ينقص أو يترك الاحتياط ، وأما الشهيد فبأن لا يشهد أو يشهد بحيث لا يحصل معه نفع ، ويحتمل أن يكون نهيا لصاحب الحق عن إضرار الكاتب والشهيد ، بأن يضرهما أو يمنعهما عن مهماتهما , والأول قول أكثر المفسرين والحسن وطاوس وقتادة ، والثاني قول ابن مسعود وعطاء ومجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن كلا الوجهين جائز في اللغة ، وإنما احتمل الوجهين بسبب الإدغام الواقع في " لا يضار " أحدهما : أن يكون أصله لا يضارر ، بكسر الراء الأولى ، فيكون الكاتب والشهيد هما الفاعلان للضرار .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن يكون أصله لا يضارر بفتح الراء الأولى ، فيكون هما المفعول بهما الضرار , ونظير هذه الآية التي تقدمت في هذه السورة ، وهو قوله : ( لا تضار والدة بولدها ) وقد أحكمنا بيان هذا اللفظ هناك ، والدليل على ما ذكرنا من احتمال الوجهين قراءة عمر رضي الله عنه ( ولا يضارر ) بالإظهار والكسر ، وقراءة ابن عباس ( ولا يضارر ) بالإظهار والفتح ، واختار الزجاج القول الأول ، واحتج عليه بقوله تعالى بعد ذلك ( وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم ) قال وذلك لأن اسم الفسق بمن يحرف الكتابة وبمن يمتنع عن الشهادة حتى يبطل الحق بالكلية أولى منه بمن أضر الكاتب والشهيد ولأنه تعالى قال فيمن يمتنع عن أداء الشهادة ( ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) [ البقرة : 283] والآثم والفاسق متقاربان ، واحتج من نصر القول الثاني بأن هذا لو كان [ ص: 104 ] خطابا للكاتب والشهيد لقيل : وإن تفعلا فإنه فسوق بكم ، وإذا كان هذا خطابا للذين يقدمون على المداينة فالمنهيون عن الضرار هم والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم ) وفيه وجهان أحدهما : يحتمل أنه يحمل على هذا الموضع خاصة والمعنى : فإن تفعلوا ما نهيتكم عنه من الضرار ، والثاني : أنه عام في جميع التكليف ، والمعنى : وإن تفعلوا شيئا مما نهيتكم عنه أو تتركوا شيئا مما أمرتكم به فإنه فسوق بكم ، أي : خروج عن أمر الله تعالى وطاعته .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( واتقوا الله ) يعني فيما حذر منه ههنا ، وهو المضارة ، أو يكون عاما ، والمعنى اتقوا الله في جميع أوامره ونواهيه .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( ويعلمكم الله ) والمعنى : أنه يعلمكم ما يكون إرشادا واحتياطا في أمر الدنيا ، كما يعلمكم ما يكون إرشادا في أمر الدين ( والله بكل شيء عليم ) إشارة إلى كونه سبحانه وتعالى عالما بجميع مصالح الدنيا والآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية