الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضى الله عنه : " فإذا قال الرجل : لفلان علي شيء ثم جحد قيل له أقر بما شئت مما يقع عليه اسم شيء من مال ، أو تمرة ، أو فلس واحلف ما له قبلك غيره فإن أبى حلف المدعي على ما ادعى واستحقه مع نكول صاحبه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، والإقرار على ضربين :

                                                                                                                                            مفسر ، ومجمل ،
                                                                                                                                            فالمفسر على ضربين : مستوفى ، ومقصر .

                                                                                                                                            فالمستوفى كقوله : له علي مائة دينار قاشانية ، فيكون الإقرار مفهوم الجنس ، والقدر ، والصفة ، فلا يحتاج إلى سؤال عنه ويحكم به عليه إن قبله المدعي .

                                                                                                                                            والمقصر أن يقول : له علي مائة دينار فيكون الإقرار مفهوم الجنس ، والقدر مجهول الصفة فلذلك صار مقصرا ، فيسأل عن صفة الدنانير ويحكم عليه بما يفسره من صفتها إن قبله المدعي . وأما المجمل ، فعلى ضربين :

                                                                                                                                            عام .

                                                                                                                                            وخاص .

                                                                                                                                            فالخاص أن يقول : له علي مال فكان خاصا لاختصاصه بالمال دون غيره ومجملا من جنسه وسنذكر حكمه .

                                                                                                                                            وأما العام فقوله : له علي شيء ؛ لأن الشيء أعم الأسماء كلها لإطلاقه على الموجودات كلها واختلف في إطلاقه على المعدومات .

                                                                                                                                            فإن أقر بشيء سئل عن تفسيره جنسا وصفة وقدرا ؛ لأن اسم الشيء لا يدل على واحد منها ، ثم له حالتان :

                                                                                                                                            حالة تفسير .

                                                                                                                                            حالة لا تفسير .

                                                                                                                                            فإن لم يفسر عند سؤال الحاكم له عن التفسير أعاد القول عليه ثانية فإن أبى التفسير أعاد عليه ثالثة .

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا في إعادة ذلك عليه ثلاثا فقيل هل هو شرط في الحكم عليه أم استحباب ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه شرط لا يجوز الحكم قبله ليستحق بالتكرار امتناعه من التفسير .

                                                                                                                                            [ ص: 11 ] والوجه الثاني : استحباب وليس بشرط فإن حكم عليه قبل إعادة القول ثلاثا أجزأ بعد إعلامه أنه يحكم عليه بعد امتناعه . فإذا امتنع عن التفسير بعدما وصفنا ففيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو المنصوص عليه في هذا الموضوع وفي أحد كتابي الإقرار أنه يجعله ناكلا ، وترد اليمين على المقر له ، فأي شيء حلف عليه حكم له به ؛ لأنه بالامتناع من التفسير كالممسك عن جواب الدعوى فاقتضى أن يصير ناكلا .

                                                                                                                                            والقول الثاني : قاله في الكتاب الآخر من كتاب الإقرار أنه يحبسه حتى يفسر ؛ لأنه قد صار مقرا وبالامتناع عن التفسير يصير كالمانع من حق عليه فوجب أن يحبس به .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية