الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          باب

                                                                                                                          سنة الطلاق وبدعته

                                                                                                                          السنة في الطلاق : أن يطلقها واحدة في طهر لم يصبها فيه ، ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ، وإن طلق المدخول بها في حيضها أو طهر أصابها فيه - فهو طلاق بدعة محرم ، ويقع ، ويستحب رجعتها ، وعنه : أنها واجبة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب

                                                                                                                          سنة الطلاق وبدعته

                                                                                                                          طلاق السنة : ما أذن فيه الشارع ، والبدعة : ما نهى عنه ، ولا خلاف أن المطلقة على الصفة الأولى مطلق للسنة ، قاله ابن المنذر وابن عبد البر ، والأصل فيه قوله تعالى : يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن [ الطلاق : 1 ] قال ابن مسعود وابن عباس : طاهرا من غير جماع ، وحديث ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض [ ص: 260 ] فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر : مره فليراجعها ، ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم إن شاء طلقها طاهرا قبل أن تمس وهو في " الصحيحين " .

                                                                                                                          ( السنة في الطلاق : أن يطلقها واحدة ) ; لقول علي ، رواه البخاري ، ( في طهر لم يصبها فيه ) ; لما تقدم من قول ابن مسعود وغيره ، إلا في طهر متعقب لرجعة من طلاق في حيض - فبدعة في ظاهر المذهب ، اختاره الأكثر ( ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ) أي : لا يتبعها طلاقا آخر قبل انقضاء العدة; لقول علي : لا يطلق أحد للسنة فيندم - رواه الأثرم ، ( وإن طلق المدخول بها في حيضها أو طهر أصابها فيه - فهو طلاق بدعة محرم ، ويقع ) في قول عامتهم; لأنه - عليه السلام - أمر ابن عمر بالمراجعة ، وهي لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق ، وفي لفظ للدارقطني قال : قلت : يا رسول الله ، أرأيت لو أني طلقتها ثلاثا ؛ قال : كانت تبين منك وتكون معصية وذكر في " الشرح " هذا الحديث مع غيره ، وقال : كلها أحاديث صحاح ; ولأنه طلاق من مكلف في محله ، فوقع كطلاق الحامل; ولأنه ليس بقربة ، فيعتبر; لوقوعه موافقة السنة ، بل هو إزالة عصمة وقطع ملك ، فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظا عليه وعقوبة له ، وفي " المحرر " : وكذا أنت طالق في آخر طهرك ، ولم يطأ فيه ، وكلام الأكثر : أنه مباح ، إلا على رواية " القروء " : الأطهار ، وفي " الترغيب " : تحملها ماءه في معنى الوطء ، واختار الشيخ تقي الدين : أنه لا يقع ، وهو قول ابن علية ، وهشام بن الحكم ، والسبعة; لأن الله تعالى أمر به قبل العدة ، فإذا طلق في غيره ، لم يقع ، كالوكيل إذا أوقعه في زمن ، أمره موكله بإيقاعه في غيره ( ويستحب [ ص: 261 ] رجعتها ) في ظاهر المذهب ، وهو قول الأكثر لأنه - عليه السلام - أمر به ابن عمر ، وأدنى أحواله الاستحباب; ولأنه طلاق لا يرتفع بالرجعة ، فلم تجب الرجعة فيه كالطلاق في طهر أصابها فيه ، فإنهم أجمعوا على أن الرجعة لا تجب فيه ، حكاه ابن عبد البر عن الجميع ( وعنه : أنها واجبة ) ذكرها في " الموجز " و " التبصرة " و " الترغيب " ، واختارها ابن أبي موسى ; لظاهر أمره - عليه السلام - بها; ولأن الرجعة تجري مجرى استبقاء النكاح ، وهو واجب ، بدليل تحريم الطلاق ، وعنه : تجب في حيض ، اختاره في " الإرشاد " و " المبهج " ، وظاهر كلامه : أن الخلاف راجع إلى الصورتين ، وليس كذلك ، فإن الطاهر المصابة فيه لا تجب رجعتها - رواية واحدة ، وتقدم حكاية الإجماع قبله ، ولكن يستحب; لأنه طلاق بدعة ، فاستحب قطعه بها كطلاق الحائض .

                                                                                                                          فرع : إذا علقه بقيام ، فقامت حائضا ، ففي " الانتصار " : مباح ، وفي " الترغيب " : بدعي ، وفي " الرعاية " : يحتمل وجهين ، وذكر المؤلف : إن علقه بقدومه فقدم في حيضها - فبدعة ، ولا إثم ، وكذا طلاقها في الطهر المتعقب للرجعة بدعي في ظاهر المذهب ، وعنه : يجوز ، واختار في " الترغيب " : ويلزمه وطؤها .




                                                                                                                          الخدمات العلمية