الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وإن قال لامرأتيه : إحداكما طالق - ينوي واحدة معينة - طلقت وحدها ، وإن لم ينو ، أخرجت المطلقة بالقرعة وإن طلق واحدة بعينها وأنسيها ، فكذلك عند أصحابنا ، وإن تبين أن المطلقة غير التي خرجت عليها القرعة - ردت إليه في ظاهر كلامه ، إلا أن تكون قد تزوجت ، أو تكون بحكم حاكم ، وقال أبو بكر وابن حامد : تطلق المرأتان .

                                                                                                                          والصحيح : أن القرعة لا مدخل لها هاهنا ، وتحرمان عليه جميعا ، كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية .

                                                                                                                          وإن طار طائر ، فقال : إن كان هذا غرابا ففلانة طالق ، وإن لم يكن غرابا ففلانة طالق ، فهي كالمنسية ، وإن قال : إن كان غرابا ففلانة طالق ، وإن كان حماما ففلانة طالق - لم تطلق واحدة منهما إذا لم يعلم ، وإن قال : إن كان غرابا فعبدي حر ، وقال آخر : إن لم يكن غرابا فعبدي حر ، ولم يعلماه ، لم يعتق عبد واحد منهما ، وإن اشترى أحدهما عبد الآخر ، أقرع بينهما حينئذ ، وقال القاضي : يعتق الذي اشتراه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإن قال لامرأتيه : إحداكما طالق - ينوي واحدة معينة - طلقت وحدها ) ؛ لأنه عينها بنيته ، أشبه ما لو عينها بلفظه ، فإن قال : أردت فلانة - قبل ؛ لأن ما قاله محتمل ، ولا يعرف إلا من جهته ( وإن لم ينو ، أخرجت المطلقة بالقرعة ) نص عليه في رواية جماعة ، روي عن علي ، وابن عباس ، ولا مخالف لهما في [ ص: 383 ] الصحابة ، وقاله الحسن ، وأبو ثور ؛ ولأنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية كالعتق ، وقد ثبت الأصل بقرعته - عليه السلام - بين العبيد الستة ؛ ولأن الحق لواحد غير معين ، فوجب تعيينه بقرعة كإعتاق عبيده في مرضه ، وكالسفر بإحدى نسائه ، وكالمنسية ، وعنه : يعين أيتهما شاء ، وقاله أكثر العلماء ، وذكرها بعضهم في العتق ؛ لأنه لا يمكن إيقاعه ابتداء ، ويعينه ، فإذا أوقعه ولم يعينه - ملك تعيينه ؛ لأنه استيفاء ما ملكه ، وقال قتادة : يطلقن جميعا ، ورد بأنه أضاف الطلاق إلى واحدة فلم تطلق الجميع كما لو عينها .

                                                                                                                          فرع : لا يطأ إحداهما قبل القرعة أو التعيين ، وهل وطء إحداهما تعيين لغيرها ؛ قال ابن حمدان : يحتمل وجهين ، والأصح : أنه ليس تعيينا لغيرها ، ولا يقع بالتعيين ، بل يتبين وقوعه في المنصوص ، فإن مات أقرع الورثة ، فمن قرعت لم تورث - نص عليه .

                                                                                                                          تنبيه : إذا قال : امرأتي طالق ، أو أمتي حرة ، ونوى معينة - انصرف إليها ، وإن نوى مبهمة فهي مبهمة فيهن ، وإن لم ينو شيئا فالمذهب : تطلق نساؤه ، وتعتق إماؤه ، روي عن ابن عباس ؛ لأن الواحد المضاف يراد به الكل لقوله تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [ إبراهيم : 34 ] وقال الجماعة : يقع على واحدة مبهمة ، كما لو قال : إحداكما طالق ؛ لأن لفظ الواحد لا يستعمل في الجميع إلا مجازا ، ولو احتمل وجب صرفه على الواحدة ؛ لأنها اليقين ، وما زاد مشكوك فيه ، قال في " الشرح " : وهذا أصح .

                                                                                                                          [ ص: 384 ] ( وإن طلق واحدة بعينها وأنسيها ، فكذلك عند أصحابنا ) أي : ذهب أكثر الأصحاب إلى أنه إذا طلق امرأة من نسائه وأنسيها أنها تخرج بالقرعة ، قال في " المحرر " : هو المشهور ؛ لأنه بعد النسيان لا تعلم المطلقة منهما ، فوجب أن تشرع القرعة فيها ، وحينئذ تجب النفقة حتى يقرع ، وقد روى إسماعيل بن سعيد عن أحمد : أن القرعة لا تستعمل هنا لمعرفة الحل ، وإنما تستعمل لبيان الميراث .

                                                                                                                          قال في " الشرح " : لا ينبغي أن يثبت الحل بالقرعة ، وهو قول أكثر أهل العلم ، فالكلام إذا في شيئين : أحدهما : في استعمال القرعة في المنسية في التوريث ، الثاني : استعمالها في الحل ، فالأول جائز ؛ لأن الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز إلا بالقرعة - صح ، كالشركاء في القسمة ، وأما الثاني فلا يصح استعمالها ؛ لأنها اشتبهت زوجته بأجنبية ، فلم تحل إحداهما بالقرعة ( وإن تبين أن المطلقة غير التي خرجت عليها القرعة - ردت إليه في ظاهر كلامه ) ؛ لأنه ظهر أنها غير مطلقة ، والقرعة ليست بطلاق ولا كناية ، وهذا إذا لم تكن تزوجت ؛ لأنه أمر لا يعرف إلا من جهته ، فقبل قوله ( إلا أن تكون قد تزوجت ) ؛ لأنها قد تعلق بها حق الزوج الثاني ( أو تكون ) القرعة ( بحكم حاكم ) نص عليه في رواية الميموني ؛ لأن قرعة الحاكم بينهما حكم بالتفريق ، وليس لأحد رفع ما حكم به الحاكم ، قال ابن أبي موسى : وفي هذا دليل على أن لحكم الحاكم تأثيرا في التحريم ( وقال أبو بكر وابن حامد ) وقدمه في " الرعاية " : ( تطلق المرأتان ) أما المطلقة فحقيقة ، وأما التي خرجت بالقرعة فلأن الطلاق إذا [ ص: 385 ] وقع يستحيل رفعه ؛ ولأنها حرمت عليه بقوله ، وترثه إن مات ولا يرثها ، وعلى قولهما يلزمه نفقتها ، ولا يحل له وطؤها ، والأولى بالقرعة ، قاله في " الشرح " ، وذكر في " الرعاية " على قولهما : إن مات قبلها أقرع الورثة ، فمن قرعت لم ترث ، وإن ماتتا ، أو إحداهما قبله ، فمن قرعت لم يرثها مع طلاق بائن ( والصحيح ) عند المؤلف ، وهو رواية ( أن القرعة لا مدخل لها هاهنا ) أي : في المعينة المتقدم ذكرها ( وتحرمان عليه جميعا ، كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية ) ؛ ولأن القرعة لا تزيل حكم المطلقة ، ولا ترفع الطلاق عمن وقع عليها ؛ لأنه لو ارتفع لما عاد إذا تبين أنها مطلقة ، وفارق ما قاسوا عليه ، فإن الحق لم يثبت لواحد بعينه .

                                                                                                                          تنبيه : إذا طلق واحدة لا بعينها ، أو بعينها ، ثم نسيها ، فانقضت عدة الجميع ، فله نكاح خامسة قبل القرعة في الأصح ، ومتى علمناها بعينها ، فعدتها من حين طلقها ، وقيل : من حين التعيين ، فإن مات الزوج قبل التعيين ، فعلى الجميع عدة الوفاة عند أهل الحجاز والعراق ، والصحيح : أنه يلزم كل واحدة الأطول من عدة وفاة أو طلاق .

                                                                                                                          ( وإن طار طائر ، فقال : إن كان هذا غرابا ففلانة طالق ، وإن لم يكن غرابا ففلانة طالق ) ولم يعلم حاله ( فهي كالمنسية ) ؛ لأن الطائر لابد أن يكون أحدهما ، فيقع الطلاق بمن وجد شرط طلاقها ، وقد تقدم ذكر الخلاف فيها ، لكن لو قال : إن كان غرابا فامرأتي طالق ثلاثا ، وقال آخر : إن لم يكن غرابا [ ص: 386 ] فامرأتي طالق ثلاثا ، ولم يعلماه - لم تطلقا ، وحرم عليهما الوطء ، إلا مع اعتقاد أحدهما خطأ الآخر ( وإن قال : إن كان غرابا ففلانة طالق ، وإن كان حماما ففلانة طالق - لم تطلق واحدة منهما إذا لم يعلم ) ؛ لأنه يحتمل أنه غيرهما ، فلا يزول يقين النكاح بالشك في الحنث ، فإن ادعت حنثه ، قبل قوله ؛ لأن الأصل معه ، واليقين في جانبه ( وإن قال : إن كان غرابا فعبدي حر ، وقال آخر : إن لم يكن غرابا فعبدي حر ، ولم يعلماه ، لم يعتق عبد واحد منهما ) ؛ لأن الأصل بقاء الرق ، فلا يزول بالشك ، بخلاف ما إذا كان العبدان لواحد ؛ ولأنه معلوم زوال رقه عن أحدهما فلذلك شرعت القرعة .

                                                                                                                          ( وإن اشترى أحدهما عبد الآخر ، أقرع بينهما حينئذ ) قاله أبو الخطاب ، ونصره في " الشرح " ؛ لأن العبدين صارا له ، وقد علم عتق أحدهما لا بعينه ، فيعتق لقرعة ، إلا أن يكون أحدهما أقر أن الحانث صاحبه ، فيؤخذ بإقراره .

                                                                                                                          ( وقال القاضي ) وقدمه في " الرعاية " ( يعتق الذي اشتراه ) ؛ لأنه ينكر حنث نفسه ، وذلك يقتضي حنث رفيقه في الحلف ، فيكون مقرا بحريته ، فإذا اشتراه وجب الحكم عليه بالعتق ، ولم يفرق المؤلف بين ما إذا اشتراه بعد أن أنكر حنث نفسه ، وبين شرائه قبل أن ينكر ، وفرق بينهما في " المغني " ، وقال في " المحرر " : فاشترى أحدهما نصيب صاحبه ، وقيل : إنما يعتق إذا تكاذبا ، وإلا أحدهما بالقرعة ، وهو الأصح ، وولاء المبيع إن عتق لبيت المال ، وقيل : للمشتري .

                                                                                                                          فرع : إذا كان الحالف واحدا ، فقال : إن كان هذا غرابا فعبدي حر [ ص: 387 ] وإن لم يكن غرابا فأمتي حرة - عتق أحدهما بالقرعة ، فإن ادعى أحدهما أنه الذي عتق ، أو ادعى ذلك كل واحد منهما - قبل قول السيد مع يمينه ، وإذا قال : إن كان غرابا فنساؤه طوالق ، وإن لم يكن فعبيده أحرار ، وجهل ، أقرع بين النساء والعبيد ، وعليه نفقة الكل قبلها ، فإن ادعى كل منهم أنه عتق ، قبل قول السيد ، وفي يمينه وجهان ، وكل موضع قلنا : يستحلف ، فنكل ، قضى عليه ، فإن قال : أنا أعلم أنه كان غرابا أو غير غراب ، قبل منه ، وإن مات ، أقرع الورثة ، وقيل : لهم التعيين .

                                                                                                                          مسألة : إذا زوج بنتا من ثلاث ، ثم مات ، وجهلت ، حرمن ، ونقل أبو طالب وحنبل : تخرج بقرعة ، قال القاضي وأبو الخطاب : وكذا يجيء إذا اختلطت أخته بأجنبيات ، وفي " عيون المسائل " : لا يجوز اعتبار ما لو اختلط ملكه بملك لأجنبي ما لو اختلط ملكه بملكه ؛ لأنه إذا اختلط عبده بعبد غيره لم يقرع .




                                                                                                                          الخدمات العلمية