الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  ( 569 ) حدثنا محمد بن زكريا الغلابي ، ثنا بكار بن محمد السيريني ، ثنا عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، خرج في ساعة لم يكن يخرج فيها ، ثم خرج أبو بكر ، فقال له : " ما أخرجك يا أبا بكر ؟ " ، قال : أخرجني الجوع ، قال : " وأنا أخرجني الذي أخرجك " ، قال : ثم خرج عمر ، فقال له : " ما أخرجك يا عمر ؟ " ، قال : أخرجني والذي بعثك بالحق الجوع ، ثم سار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناس من أصحابه فقال لهم : " انطلقوا بنا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان " ، فانطلقوا فلما انتهوا إلى منزل أبي [ ص: 255 ] الهيثم ، قالت امرأته : إن أبا الهيثم قد ذهب يستعذب لنا من الماء ، فدوروا إلى الحائط ، ففتحت لهم باب الحائط فجلسوا ، فجاء أبو الهيثم فقالت له امرأته : تدري من عندك ؟ ، فقال : لا ، فقالت : عندك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، فدخل فعلق فرسه على نخلة ، ثم أتاهم فسلم عليهم حيى ورحب ، ثم أتى مخرفا له فأتى عذقا فاخترف لهم رطبا ، فأتاهم به فصبه بين أيديهم ، ثم إن أبا الهيثم أهوى إلى غنيمة له في ناحية الحائط ليذبح لهم منها شاة ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما ذات در فلا " ، فأخذ شاة فذبحها وسلخها وقطعها أعضاء فطبخها بالماء والملح ، ثم أتى امرأته فسألها : هل عندك من شيء ؟ ، فقالت : نعم ، عندنا شيء من شعير كنا نؤخره ، فطحناه بينهما ، ثم عجنته وخبزته ، فكسره أبو الهيثم وأكفأ عليه ذلك اللحم الذي طبخه ، ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فأكلوا .

                                                                  فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا أبا الهيثم أما لك من خادم ؟ " ، قال : لا ، والذي بعثك بالحق ، ما لنا خادم ، قال : " فإذا بلغك أنه جاءنا سبي فائتنا نخدمك " ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبي فأتاه أبو الهيثم ، وبين يديه غلامان ، أو قال : وصيفان ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا أبا الهيثم اختر منهما " ، أو قال : " تخاير منهما " ، فقال أبو الهيثم : يا رسول الله خر لي ، فاحتاط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى حسر عن ذراعيه ، وقال : " المستشار مؤتمن يا أبا الهيثم خذ هذا " ، فلما ولى به أبو الهيثم ، قال : " يا أبا الهيثم أحسن إليه ، فإني قد رأيته يصلي " ، قال : نعم ، نطعمه مما نأكل ونلبسه مما نلبس ، ولا نكلفه من العمل ما لا يطيق ، فانطلق أبو الهيثم إلى أهله ففرحوا به فرحا شديدا وقالوا : الحمد لله الذي رزقنا خادما يخدمنا ويعيننا على ضيعتنا ، فقال أبو الهيثم : إن رسول الله [ ص: 256 ] - صلى الله عليه وسلم - قد أوصاني به ، قالت امرأته : نعم ، نطعمه مما نأكل ونلبسه مما نلبس ، ولا نكلفه من العمل ما لا يطيق ، قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصاني به ، قالت امرأته : سبحان الله خادم أخدمنا الله ورسوله تريد أن تحرمناه ؟ ، فقال أبو الهيثم للغلام : أنت حر لوجه الله ، فإن أحببت أن تقيم معنا نطعمك مما نأكل ونلبسك مما نلبس ولا نكلفك من العمل إلا ما تطيق ، وإن شئت فاذهب حيث شئت
                                                                  .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية